- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الفلسطيني حشرة «أم ٤٤» في الحرب الأهلية اللبنانية

بيروت – «برس نت» (خاص)

صدر للكاتب عصام حمد كتاب غريب باللغة الانكليزية ولكن لهذا الكتاب قصة عربية…نبتت في لبنان في أتون الحرب الأهلية..، كان لنا لقاء معه.

من هو عصام عادل حمد؟

أنا قاصٌّ وروائيٌّ لبناني. لي مجموعة من الاصدارات، ولكني أريد أن أتكلم اليوم عن  روايتي التاريخية “الأم ٤٤ الفلسطينية” التي أصدرتها بالإنجليزية للتوزيع والبيع عبر موقع أمازون بأمريكا، وهي تحكي قصة الحرب الأهلية اللبنانية 1975 والاجتياح الإسرائيلي 1982 الأبطال والضحايا كلهم حشرات- نعم روايتي مليئة بالحشرات والحيوانات.

كيف ولدت فكرة الرواية؟

تفكَّرتُ في الحروب عامة فرأيتُ كيف “يُرشَّ” إنسانٌ على حاجز كما تُرشُّ ذبابة ويُداس بالجزمات كما يُداس صرصور، وكيف تُباد عائلة في حجرة نومها كما تُباد مستعمرةٌ من المنِّ. ثم درستُ الحرب الأهلية اللبنانية فوجدت أنها بدأت برشّ حافلةٍ تحمل ركاباً فلسطينيين في عين الرمانة. لماذا؟ هنا ولدت الفكرة الفريدة: لا بدَّ أنَّ الذين رشُّوا “البوسطة” نظروا إليها على أنها حشرة- وإلا لما كانوا أبادوها. كيف كان ذلك؟ كان الركاب يُلوِّحون بأربعٍ وأربعينَ يداً من النوافذ عن جانبيها، فحسِبُوها حشرة أم أربع وأربعين ورشُّوها بالمُبيدات!

كانت تلك “الرشة” فاتحة عهد من الرش والدَّوس بالنعال والإبادة دام خمسَ عشرة سنة تقهقر خلالها لبنانُ إلى غابة واللبنانيون تحوَّلوا إلى حشرات. على أن الحشرات، أو بالأحرى: “الناس المُحشَّرين”- أي الذين عُوملوا كالحشرات فانقلبوا حشرات، أقول: إن هؤلاء لم يكتفوا بالزحف لصقَ الجدران، والنزول إلى الملاجئ المظلمة ومجاري الصرف الصحي التي كان بناها الإنسان المنقرض. بل قاوموا “الوحوش”- بالطبع، فإنَّ الذي يدوس إنساناً لا يبقى إنساناً، بل يتحوَّل وحشاً. وبذلك عجَّت الغابة اللبنانية بالوحوش من كل نوع. أما الحشرة التي اخترتُها للمقاومة فهي الدبُّور- الطليعة الحشريَّة في مقاومة “التَّحشير” اللبناني-اللبناني في ٧٥، والإسرائيلي في ٨٢. والدبابير بسلوكها الاجتماعي وألوانها المختلفة سمحت لي بتمثيل كافة حركات المقاومة في ذلك الزمن: فالدبابير الخضراء فلسطينية في تل الزعتر والمخيمات، والحمراء شيوعية في الوتوات ببيروت، والبيضاء السوداء المرابطون في البربير والمتحف والتي تصدَّت بشوكاتها السامة لأليات الرشّ الحشرية الإسرائيلية في ٨٢ إذ اجتاحت البريَّةَ اللبنانية للقضاء على أوكار الدبابير التي تهاجم أسرابُها كريات شمونة (بموجب اتفاق القاهرة)، والدبابير الصفراء حزب الله- تطير في آخر الرواية وتهاجم شركة الإبادة الإسرائيلية في الشريط الحدودي… كل ذلك بالتوازي مع ما حدث فعلاً في لبنان من بوسطة عين الرمانة حتى اتفاق الطائف. نعم أنا أزعم أنني الكاتب الوحيد الذي كتب تاريخ لبنان- بالحشرات!

حدثنا عن سنوات الكتابة ورفض النشر:

بعد أكثر من تسع سنوات من العمل عليها ليلاً نهاراً بلغت «الأم ٤٤» حجماً كبيراً حتى باتت تعبّر عن ظواهر عديدة في الحياة السياسية اللبنانية- بالحشرات: الحرب والطائفية وعبادة الزعيم وحقارة شأن المواطن وعلاقة لبنان بمحيطه العربي وبالعالم والعدوان الإسرائيلي والمقاومة والحرب الباردة.. نعم كل هذا بالحشرات والوحوش.. حتى رفعتُ عنها القلم أخيراً وعرضتها على بعض دور النشر اللبنانية. وكان الجواب: فنيَّة الرواية عالية وطريقتها غير مسبوقة لكننا نعتذر عن نشرها!

لماذا تنشر باللغة الانكليزية لجمهور هو بعيد جداً عن فهم الحرب اللبنانية؟

إن رفض نشر الأم 44 لفتني أو أكَّد عندي نظرية المؤامرة. فتساءلت لماذا يرفضون نشر هكذا رواية؟ ومن قبلُ رفضوا نشر “في وجهك يا وقح”- الرواية التي أخرجتُ فيها أثداء اللبنانيات في مظاهرة، عند تقاطع بشارة الخوري، احتجاجاً على ضرائب وزير المالية آنذاك فؤاد السنيورة- قائلاً لها أهيجها: “عجبتُ للثدي يبيتُ في السُّتيانة جائعاً، ولا يخرج إلى الناس شاهراً حلمته!”. فبرزت الأثداء الدسمة من سُتياناتها، كل زوجٍ منها انضمَّ على خمسماية ليرة معدنية، وتظاهرت تحت الشعار الاتهامي: “من عُبِّنا إلى جيب السنيورة”! وبذلك كنتُ في هذه الرواية أوّل من نادى بالتعري أسلوباً من أساليب الاحتجاج السياسي.. وتساءلتُ: ماذا عساي أكتب كي ينشروا لي؟ أهي مؤامرة أم رفض متأصل للجديد والمجددين في هذا البلد؟ في هذه اللحظة جاءني عبر الماسنجر سؤال ابن أختي وائل حيدر الذي يدرس في أمريكا: لماذا يا خالي لا تكتب بالإنجليزية وأنت مُتقنٌ لهذه اللغة؟ وقع علي السؤال وقوعَ الإهانة: أنا أكتب بلغة غير العربية! فأجابني الشاب: كن واقعيا يا خالي. ها أنت ذا تكتب منذ أكثر من سبع عشرة سنة وليس من ينشر لك أو حتى يعترف بك كاتبا. بلادنا لا تحترم كتابها، والقراء فيها أندرُ من القراء على سطح القمر… وهكذا أصبحت The Writer وصارت الأم 44 الفلسطينية The Palestinian Centipede.

ما هو سبب رفض الرواية من قبل الناشرين؟

هو سبب رفض كل رواياتي السابقة– السياسة! وقد قالها الناشرون لي صراحة. عن “في وجهك يا وقح” قالوا: أنت ذكرت سياسيينا بالأسماء وجعلت أعضاء المرأة الحميمة شخصيات عامة تزاحم السياسييين على المنابر وتفضح فسادهم. وقد يقاضوننا إن نشرنا الرواية! وعن الأم 44 الفلسطينية قالوا: جعلتَ فيها الناس حشرات. لا بأس. لكنك جعلت زعماءنا التاريخيين وحوشا، والزعماء العرب أيضا: حافظ الأسد وفهد بن عبد العزيز جعلتَهما أسداً وفهداً حقيقيين، وجمال عبد الناصر جواداً- وإن كان أصيلاً، وياسر عرفات وأنور السادات جعلتهما… لا يا أستاذ عصام. لا نستطيع نشر الأم 44، إنها حشرة مخيفة وخطرة!

فما إصرارُك إذن على المضمون السياسي لرواياتك؟

إذا كان “لمُحتكري” المشهد الثقافي اللبناني أن يرفضوني، فلي أن أرفض الانصياع إلى مطالبهم بالتورية والتعمية والتخفيف من النقد السياسي وترك الانحياز للناس في مواجهة السلطة والمتسلّطين. سأكتب ما يُمليه علي ضميري وفنّي ولن أسمح لقلم المحاباة والتملُّق للسلطة بأن يجري بالسواد فوق نصاعة كلماتي وحياتي. مائي وهوائي وجدتُهما في الكتابة بالإنجليزية والنشر الحُرِّ في موقع أمازون.

هل ستعود للنشر بالعربية؟

لغتي العربية كلماتها عسل في فمي وحروفُها موسيقى في أذني.. لكن إذا لم أجد لي من قارئ بالعربية، فمن سيشاركني التلذذ بهذا العسل ومن سيطرب معي لتلك الموسيقى؟ إني هجرت لغة امرئ القيس وفي حلقي غصَّة، وعانقت لغة شكسبير وفي قلبي لوعة. من يدري؟ لعلَّ الأبجدية العربية تتراءى لي في المنام وتعاتبني: لم هجرتني يا عصام؟ فأجيبها مُنكراَ: أنا؟ Did not!‎