الرئيسية » رأي » معمر عطوي »

إردوغان على خطى الأسد

Moammar 2016معمر عطوي

يبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قد دخل في مرحلة شبيهة بما حصل مع صديقه السابق نظيره السوري بشار الأسد. وإن جعلت الحرب السورية من الرجلين أعداءً، فالسياسة التركية الجديدة في ظل رئيس يسعى لتعديل الدستور بهدف تعزيز منصبه من رئيس شرفي الى رئيس يملك صلاحيات تنفيذية واسعة، قد تقود الى حالة تصادم مع النخب التركية يصعب الخروج منها.

لقد بدا الرئيس الإسلامي في العام 2010 بعد ثماني سنوات من وصول حزبه “العدالة والتنمية” الى السلطة محترماً لدى العديد من شرائح الشعب التركية ومن شعوب دول المنطقة التي نظرت بإيجابية الى سياسة “صفر مشاكل” لرئيس وزرائه (وزير خارجيته آنذاك) أحمد داود أوغلو والغاء تأشيرة الدخول الى بلاده بالنسبة لدول عديدة مجاورة.

هذه الإيجابية التي عززتها قضية سفينة “مافي مرمرة” واستشهاد عدد من الأتراك على متنها برصاص العدو الإسرائيلي، أثناء محاولتهم ايصال مساعدات الى غزة المحاصرة، وصلت الى أوجها مع خطاب إردوغان في مؤتمر دافوس بحضور الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، والذي بدا فيها الزعيم المحافظ غاضباً من سياسة الدولة العبرية تجاه الفلسطينيين.

وعلى الجانب السوري وقبل بدء الثورة في 14 آذار 2011، كان إردوغان والأسد في ذروة تقاربهما حيث عززا التجارة بينهما ورفعا قيمة الاستثمارات المتبادلة. وكان لأنقرة الدور السياسي الأكبر في إحياء مفاوضات تسوية بين السوريين والإسرائيليين عقد منها عدة جولات في تركيا من دون أن تصل الى نتيجة كما أعلن حينها. هذه العلاقات التي تحطمت رويداً على صخرة سياسة الأسد الإرهابية تجاه شعبه، وصلت الى ذروتها من الفراق بين الرجلين مع فتح تركيا الحدود أمام جحافل المقاتلين الوافدين من كل حدب وصوب لـ”الجهاد” مع فصائل اسلامية سورية متشددة، وخصوصاً تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي نُشر عن علاقته بأنقرة واستخباراتها الكثير من التقارير، خصوصاً ان لوريثة السلطنة العثمانية أطماع تاريخية في الموصل التي سقطت في أيدي مقاتلي التنظيم الارهابي صيف العام 2015 ، اضافة الى النفط الذي بات الاتراك يشترونه من “داعش” بأسعار رخيصة جداً نسبة لأسعار السوق. علماً أن تنظيم “داعش” ذاته مستمر ببيع هذه المادة لدمشق أيضاً.

لقد سار الرئيس “العثماني” الذي بنى قصراً رئاسياً يشبه قصور الملوك، على خطى الرئيس السوري حين استخدم ورقة الإرهاب في شمال وشرق سوريا وشمال العراق، بهدف إبعاد شبحه عن بلاده، خصوصاً عبر توظيف الارهابيين في مقاتلة الأكراد وإضعاف حلمهم في إقامة دولتهم المنشودة على الحدود المشتركة التركية الإيرانية السورية العراقية.

وهذا ما فعله الأسد حين كان يرسل الإرهابيين الى العراق لتفجير مواكب زوار المقامات الدينية بهدف استمرار الفتنة المذهبية وإبعاد شبح الغزو الأميركي عن بلاده. وهذا ما عبر عنه مسؤولون عراقيون هم اليوم يفتخرون بأنهم في حلف واحد مع سوريا وإيران، حين طالبوا السلطات السورية مرات عدة بوقف تدفق المقاتلين والانتحاريين الى بلاد الرافدين عبر ديرالزور والرقة.

في أي حال سار الرجل على سياسة صديقه السوري في عدة اتجاهات، بدأت بتوظيف الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية داخلية او اقتصادية مباشرة، ووصلت الى مستوى رفيع من التشابه حين استأنف “الخليفة” التركي قمعه للأكراد منهياً جهوداً كبيرة من المساعي مع زعيم “حزب العمال الكردستاني” المعتقل في جزيرة ايمرلي التركية، بهدف وضع حد للقتال الذي مر عليه ثلاثة عقود وذهب ضحيته نحو أربعين الف قتيل من الجانبين. وهو ما قام به الرئيس السوري ضد اهالي درعا ثم في قمع تظاهرات دمشق وحماه وحمص وادلب السلمية قبل ان يسهّل للإرهابيين السيطرة بغية تشويه صورة المعارضة السلمية وتسويغ تدميره للبشر والحجر بذريعة محاربة “الإرهاب”.

بدأت التحولات الإردوغانية تشبه سياسة الأسد منذ بدأ الرئيس التركي وحزبه الإسلامي المنشأ حربهما على جماعة “الخدمة” التابعة لصديقه اللدود فتح الله غولين، والتي أسماها “الكيان الموازي” نظراً هذا التيار الديني أيضاً وتغلغله في كافة المؤسسات التربوية والعسكرية والأمنية. وكان للزعيم الإسلامي تجربة نكران جميل أخرى تجاه معلمه ووالده الروحي نجم الدين أربكان أبو الحركة الإسلامية الذي لم يدم في رئاسة حكومة تركيا طويلاً بسبب محاربة العلمانيين له.

لقد تمكنت تركيا- إردوغان من قص أجنحة جماعة غولين المقيم في الولايات المتحدة، عبر سياسة “تطهير” طالت العديد من مؤسسات الدولة وترافقت مع سياسة حظر وسائل إعلامية ومنع مواد من النشر وحظر شبكات للتواصل الإجتماعي، مثل “تويتر” و”يوتيوب”. حظر بدأ حين استخدم “الكيان الموازي” سياسة فضح فساد “جمهورية إردوغان” ولا سيما من خلال نشر أشرطة تظهر تورطه مع إبنه بلال وبعض وزرائه في قضايا مالية ضخمة.

ومن إجراءات إردوغان الأسدية قمعه لتظاهرات تقسيم في صيف العام 2013، والتي أظهرت ميول الرجل النيوليبرالية في الاقتصاد، من خلال نيته تحويل حديقة عريقة الى مجمع تجاري وثكنة عسكرية على الطراز العثماني. وقد تمكن الناشطون من الشعب من تجميد هذا المشروع بفضل استمرارهم في التظاهر والإعتراض.

ربما نجح إردوغان في السنوات العشر الأولى من حكمه في إحياء الاقتصاد التركي وتحقيق نمو عالٍ أدى الى توفير آلاف فرص العمل وتحقيق نهضة حقيقية. لكن ما زرعه نجاحاً في الاقتصاد حصده فشلاً في السياسة.

إردوغان الذي استغل تماماً مثل صديقه اللدود الأسد قضية فلسطين لتحقيق شعبوية عربية اسلامية، لم يكن الكثيرون يدركون أن نجله بلال واصل صفقاته التجارية مع العدو الصهيوني رغم قضية مرمرة وحصار غزة.

وحين تشنج الرجل العصامي في دافوس وخرجت عروق رقبته من مكانها أثناء مخاطبته بيريز، لم يكن إردوغان يعني “اسرائيل” وجودياً، بل كان يعني قطاع غزة وحصاره فقط. لذلك لم تقطع العلاقات بشكل تام مع دولة الاحتلال الصديقة للأتراك، ولم يكن الموقف متعلقاً بقضية إحتلال فلسطين التاريخية بقدر ما تعلق بتسعة شهداء اتراك كان يريد الاعتذار عن قتلهم لاستئناف العلاقات بشكل طبيعي. وهذا ما حصل أخيراً وأقر الرجل بأن “إسرائيل مهمة جداً لتركيا”. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ترافق مع التضييق على قيادات حركة “حماس” المقيمة في اسطنبول وأنقرة وخفض مخصصاتهم المالية.

وكان تحول سياسته تجاه تنظيم “داعش” من غض النظر وتسهيل المرور الى الملاحقات والاعتقالات لأعضائه في تركيا وضربهم في شمال سوريا، شبيهاً بما قام به الجانب السوري في هذا الإطار، حين اكتفى من خدمات عناصر إرهابية اعطته ذريعة لقمع شعبه وصولاً لإعلانه الإنضمام الى حلف اقليمي دولي بهدف محاربتها.

لقد امتلك الأسد صلاحيات واسعة في ظل قانون “الحزب القائد” وكان الآمر الناهي في سوريا ولا يزال حتى الآن، وإن بوتيرة أخف في ظل امتيازات الاحتلالين الإيراني والروسي للشام، وهذا ما يسعى اليه إردوغان ساعياً الى تعزيز صلاحيات الرئيس بعد قص أجنحة العسكر الذين كانوا السلطة الأقوى أيام سيطرة الدولة العميقة. هذا ما أعلنه إردوغان أو “السلطان” منذ كان رئيساً لحكومة محافظة ذات جذور إسلامية في بلد علماني. لكن في تركيا ذات الديموقراطية العريقة يبدو من الصعب تمرير مسودة دستور تحمل هذه التعديل الذي يجعل الرئيس التركي بصلاحيات شبيهم بصلاحيات الرئيس السوري، خصوصاً في ظل معارضة الأكراد والعلمانيين والعديد من الأحزاب الأخرى التي ترفض سورنة تركيا وجعلها بقعة غير آمنة. لعل هذا الخطر جاثم على صدر المسؤولين الاتراك بعد انفجارات عديدة اودت بحياة العشرات في اسطنبول ودياربكر وأنقرة.

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings