- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

هل تعاني سوريا مرض الطائفية؟

دمشق ــ خاص “أخبار بووم”

توالت بالفترة الأخيرة الاتهامات الموجهة إلى الثورة السورية، بأنها تحمل الكثير من البغض الطائفي، وهناك من أتهمها بأنها ثورة سنية ضد الأقليات، فباتت سوريا من الدول المرشحة لأن تشهد حروبا طائفية كما العراق، حسب تخوف بعض الكتل المؤيدة للنظام السوري.

فقد وجه الشارع الثائر تهمه للنظام بافتعال الطائفية في المنطقة، وذلك على مبدأ فرق تسد، وإلا ما هو التفسير المنطقي لأن يكون النظام أول من يتحدث عن الطائفية، لتهلل أبواقه الرسمية وغير الرسمية بمقولاته؟ إضافة إلى إعراب الكثير من الدول عن قلقها في حال تفجير ما يسمى بالحرب الاهلية في سوريا، خصوصاً وان النظام السوري لم يكن جديا في مشاريعه الاصلاحية المزعومة.

لكن هل الطائفية موجودة فعلا في المجتمع السوري، ام هي عبارة عن فزاعة نصبت لإخماد الثورة السورية؟

في حين تباينت وجهات النظر حول الامر، خصوصاً بعد عجز السوريين عن انكار الهمس الجاري بينهم وادانتهم لسيطرة الطائفة العلوية على الحكم، لم يكن من المتوقع ان تتحول إلى خطورة اقليمية يتناولها الخطاب السياسي ويدان به الشارع الثائر الذي حاول مرارا ابعاد شبح الطائفية عن الحديث العام. لكن هل هذا الهمس يطمس حقيقة الواقع السوري؟

يقول احد الناشطين في الحراك “لو كان هناك طائفية في سوريا او شعب يتغنى بها لكان نجح الاخوان المسلمون، في تمردهم على النظام فترة الثمانينيات، في قلب الكتلة السنية الكبيرة على النظام، اذ ان دعواها الدينية احرزت فشلا في إحداث شرخ طائفي كبير في النسيج الاجتماعي للبلاد”.

الا ان المتهم الاساسي في الطائفية هو النظام الذي حاول رفع لواء الطائفية فوق رؤوس الاقليات منذ بدء الحراك، وراح يعبئ الطائفة العلوية والأقليات الدينية الأخرى، ويشحنها بالخوف على مصيرها، وهذا شأنه ان يحدث أثراً على الأرض، ما يبرر ضعف مشاركة “الطوائف” السورية الصغيرة في الجهد الانتفاضي ضد النظام”.

ورغم كل ما يقال عن استلام النظام السوري زمام الفتنة الطائفية، وقدرتها على  تشرذم البلاد، يبقى الوعي سيد سلوك السوريون. لذلك بادرت بعض العشائر العلوية بإعلان عدة بيانات تتبرأ فيها من الرئيس السوري وعائلته وشبيحته، واصفة سلوكه بالوحشي. وحاول احد بياناتها ان ينفي حتى ما تناقلته مواقع المعارضة السورية، بكثافة وجود عمليات خطف وقتل بحق أبناء الطائفة العلوية في حمص، متهمة اصوات النظام بانها أصوات لا هم لها إلا التفرقة، للحفاظ على مملكته حسب ظنه.

ويؤيد احد الناشطين من تنسيقية حمص ما جاء بالبيان متسائلا “أي إنسان يستطيع قتل أخيه بدم بارد؟ نحن نستنكر مثل هذه الاعمال؛ فكيف تصدق كذبة النظام باننا القاتلون، ونترك الجثث في أحيائنا تدل علينا”. وأكد بأنهم “يعتزون بإخوة لهم في الإسلام والوطن، وان هذه الاعمال لا تخدم الا النظام وحده من دون الشعب، بهدف خلق التفرقة بين السوريين، وخصوصاً بين هاتين الطائفتين الكريمتين، فأبناء حمص عاشوا وسيعيشون سنّة وعلويين ومسيحيين مع بعضهم متحابين متآلفين”.

ولكن هناك من يخالف رأي الناشطين في الشارع السوري ويبدي قلقه من وجود حقيقي للطائفية، وبرأيه “ان حل مثل هذه المشكلة هو الاحاطة بها كي لا تنفجر وليس انكارها كون الطائفية ليست وليدة اليوم، فمنذ ان جاءت السلطة الى سوريا لم تعمل على خلق نسيج اجتماعي مدني يحيد الطائفية أو يدفنها، بل بقيت الطائفية موجودة كوعي محرك لأفعال الأفراد، مع وجود سلطة كان همها الحفاظ على مجتمع مفكك، كما ورثته، كي تديم سيطرتها، إذ عمدت إلى منع التقاء الطوائف، عبر إدامة نموذج حكم ظاهره علماني، وجوهره طائفي، لكن ليس لمصلحة طائفة النظام، كما يروّج البعض، بل لمصلحة جوهر السلطة المتمثل في البقاء، عبر اعتماد الجميع وقوداً لها”.

هكذا كانت تركيبة الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، تقوم على نحو غير معلن رسمياً، لكن غير سري أيضاً، على طائفية ما، وفق تحاصص طوائفي، يعطي لكل طائفة منصبها المتماثل مع حجمها. وأما عن خوف الأقليات، ثمة حقيقة لا يمكن لأحداً إنكارها، أنّ الأقليات في سوريا خائفة فعلاً، ويأتي تخوفها من ماضٍ قمعي تعرضت له على يد الأكثرية، إذ تحفل الذاكرة الجماعية لهم بحوادث الماضي. ومشاهدة تجارب مماثلة لدى المسيحيين في العراق والبنان ويضاف إلى ذلك تخويف النظام لهم واستغلال مخاوفهم وقوداً له لإدامة السيطرة، لكن هل يبرر ذلك لتلك الأقليات وقوفها إلى جانب الاستبداد؟
غافلة عن معرفة مفادها، إنّ الاستبداد لا يحمي سوى مصالحه، فمن افضل السبل لإزالة تخوفاتها هو الانخراط الفاعل في مجرى التغيير، لتفكيك الاستبداد الذي وضعها في هذا المأزق. هكذا، تثبت وجودها وتطرح تخوفاتها مستقبلاً على إطار البحث من موقع الفاعل في الأحداث، لا المتفرج. لذلك يحتم الأمر على قوى الانتفاضة أن تعرف كيف تطرح رؤاها لتفكك خوف الأقليات ووعيها المزيف. ولعل نضوجاً بديلاً وطنياً ديموقراطياً واضحاً قد يسهم في ذلك الأمر. بديل يخوض في تفاصيل الدولة المقبلة وطريقة إدارتها، لأنّه كلما تبلور ذلك على نحو واضح، تراجع خوف الأقليات، واطمأنت إلى مستقبلها، بما يعني ذلك تشجيعها للانخراط في الحراك الهادم للاستبداد و ربما المعني الاكبر في الخوض بوعي الاقليات هم “الإخوان المسلمون”، وهم مطالبون ببذل قصارى جهدهم في طمأنة عموم السوريين إلى مستقبل بلادهم، وأن يوضحوا، بقوة ومن دون لبس أو غمغمة، أن سوريا التي يعملون من أجلها هي لجميع مواطنيها انطلاقاً من برنامج مدني ديمقراطي يمثل الجميع ويتسع للجميع.