- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

شربل نحاس… صوت في البراري

زاوية حادّة

حسام كنفاني

الرفيق شربل أو الوزير شربل، لم يتغير الرجل بين التسميتين، بقي باحثاً عن العدالة الاجتماعية وحلم منح الحقوق للمحرومين منها. حلم عاشه الجميع في يوم من الأيام، لكنه انهار في لحظة غافلة، قبل أن يعود الى الحياة مع وقوع الرأسمالية في شر أعمالها.

فجأة عاد كارل ماركس ليتصدر شخصيات البحث الالكتروني، وبات “رأس المال” أكثر الكتب طلباً في دول أوروبا. عاد الجميع لاكتشاف الطروحات التي حاربوها في زمن من الأزمان، وليكتشفوا أن “ذا اللحية” كان على حق.

في ظل مثل هذه الأجواء، ظهر الرفيق شربل على الساحة السياسية اللبنانية، محمّلاً  بطروحاته الاقتصادية الجريئة، التي ظن في لحظة من اللحظات أن هناك من قد يسمع بها ويطبقها، وخصوصاً ان العالم ماض في هذا الاتجاه، وان اقتصاد اليسار من الممكن أن يلقى قبولاً من قادة اليمين اللبناني، الرافعين لشعارات “المحرومين” و”المستضعفين” و”التغيير والاصلاح”.

مضى الرفيق شربل في معركته، التي اتضح انه يخوضها وحده، في حكومة “الوحدة الوطنية” لمواجهة السياسة الاقتصادية النيوليبرالية لسعد الحريري. خاض معركته بتشجيع من الفريق الذي اختار الوقوف الى جانبه، ظنا منه انه يتبنى أفكاره “الثورية”، لكن الفريق كان يستخدمه في المناكفة السياسية، إذ لا خلاف في الاقتصاد بين هذا وذاك، الطرفان حريصان على عدم تضرر رأس المال، طالما أننا قادرون على شراء البروليتاريا ببضعة دنانير.

تبدلت الأيام وتغيرت الظروف، ووصل الرفيق شربل نحاس وزيراً في حكومة من فريق واحد، فريقه أو الذي ظن أنه فريقه. حمل «ثورته» إلى الطاولة الوزارية. أراد بكل «روح ثوريّة» الوقوف إلى جانب «المحرومين» و«المستضعفين» حقيقة، الممثلين بالطبقة العاملة المدهوسة في ماكينة اقتصاد السوق. حرب بكل معنى الكلمة خاضها شربل في مواجهة رؤوس الأموال المسيطرة. اقتحم الميدان ظناً منه أن ظهره محميٌ من طعنات الخلف، وصاغ مشروعه على العناوين العريضة للتحالف الذي دخل في صلبه. لكن عندما تدق ساعة الحقيقة، تكشف الوجوه وتخرج الخفايا إلى العلن. «أنصار الثورة» يتحولون فجأة إلى أعدائها.

هم لم يكونوا أنصاراً من البداية، فالخلاف الذي كان قائماً بين الفرقاء في لبنان، لم يكن اقتصادياً تنموياً إنمائياً، كان سياسياً بامتدادات خارجية غير خافية. أما في الداخل، فكل رأس خائف على ماله، يتلطى خلف شعارات لا تلبث أن يتضح زيفها عند محكّ الاختبار.

«الرفيق شربل» بقي وحيداً في مواجهة أباطرة رأس المال المتحالفين مع الطبقة السياسية بأشكالها كافة. الوجوه تتغيّر، لكن السياسة واحدة، وحده نحّاس أراد اختبار التغيير الحقيقي، إلا أن صوته ضاع في براري المافيا اللبنانيّة، ليضيع معه من ظنّ أن الوضع اللبناني قابل  للإصلاح.

أخطأ نحاس في ظنونه ورهاناته، فالثورة لا تبدأ من أعلى قبل أن تكون بنيتها التحتية جاهزة. لتكن الثورة على الأرض سابقة حتى لا تضيع الجهود هباء.