- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أوروبا في عز الشباب

معمر عطوي

كلما زرت أوروبا وجدتها أفضل من السابق، أكثر تطوراً ونظاماً وحرصاً على حقوق الإنسان في مقابل التزاماته تجاه الدولة والقانون. طبعاً بمعزل عن البعد الكولونيالي لبعض دولها، حيث لا مجال للمحاكمة في هذه العجالة.

الموضوع الأمني جوهري وحساس، خصوصاً بعد جرائم الإرهاب في فرنسا وبلجيكا. لكن على الرغم من ذلك تعود الحياة طبيعية بعد كل هزة أمنية، ولا تطول فترة الاستنفار والتضييق على الحريات الا في حدود ما يصل أجهزة الأمن من معلومات عن خلايا نائمة أو أخرى في طور الإستيقاظ للقيام بعملها لتعيد كرة العنف.

هذا ما يلاحظه السائح حين تطأ أقدامه عتبة مطار شارل ديغول في فرنسا، ينتهي المسافر من الصف الطويل باجراءات روتينية مثل ختم جواز السفر مع ابتسامة الشرطي او الشرطية وكلمة ترحيب سيلفوبلي مسيو.

باستثناء التفتيش الروتيني عند بعض المتاحف، والتواجد الأمني والعسكري في مناطق مهمة ومراكز حساسة، لا يشعر السائح انه في بلد قد تعرض خلال عام واحد لاعتداءات ذهب ضحيتها عشرات الأبرياء.

الرحلة من باريس في القطار إلى ألمانيا الآمنة نسبياً من بين دول أوروبا الكبرى، عبر بروكسل، تؤكد أن القارة ليست عجوزاً. هي عريقة بثقافتها ومعالمها القديمة وتراثها الحضاري ومبانيها الجميلة. عراقة لا تعني العجز بقدر ما تؤكد تواصل الماضي الجميل مع الحاضر التكنولوجي المتقدم والرفاهية العالية، وفي الوقت نفسه تؤكد وتيرة الحياة في أوروبا حجم القطيعة مع الماضي السئ، حين سيطرت المؤسسة الدينية على الحياة السياسية والإجتماعية، او في حقبات الحروب القومية بين بلدان القارة في مراحل سابقة من التاريخ.

الرحلة الجميلة تنتهي في سويسرا البلد الأكثر أمناً وتقدماً ونظافة وترتيباً واحتراما لحقوق الإنسان. في هذا البلد المحايد يبدو الناس أكثر لطافة وهدوءً، والحياة هنا أقل توتراً وأهم من حيث النظام واحترام القانون والحفاظ على الممتلكات العامة.

الابتسامة على ثغور الناس هنا في بلد الكانتونات المتكاتفة رغم تنوع قومياتها ولغاتها، تختصر المسافة ما بين بيروت وباريس وبروكسل وبرلين وبون وبرن. مدن عديدة تبدأ أسماؤها بحرف الباء لكن شتان ما بين المدينة الأولى التي تعيش تحت أكوام النفايات ورحمة المسؤولين الفاسدين والأخيرة التي تمثل ذروة احترام العقل والقانون والانسان وتأتي في مقدمة أخواتها الأوروبيات من حيث التطور العلمي والسمو الأخلاقي والإنساني.

القارة ليست عجوزاً انما هي دائماً في مرحلة تطور وازدهار وسباق نحو المستقبل مقابل تراجع وتأخر بلداننا العربية الى ما وراء القرون الوسطى ومآسيها. يطبلون اذنيك في بلاد المسلمين بشعار “النظافة من الإيمان”، من دون أن نشعر بوجودها بتاتاً. أما هنا يعيش الناس كل قيم النظافة وتفاصيلها من نظافة القلب حتى نظافة الشارع والممتلكات العامة، لكن بلا شعارات وبلا إيمان.