- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

موسيقى برامز وهايدن تستقطب اللاجئين في برن

refugieبرن- معمر عطوي (خاص)
لا يتوقف كرم الضيافة عند السويسريين على ما يقدمونه للمهاجرين طالبي اللجوء لديهم من مأكل وملبس وسكن وخدمات طبية ومساعدات مالية، بل يتجاوز ذلك إلى إشراكهم في العديد من جوانب الحياة الثقافية والإجتماعية هنا، في محاولة لتسريع عملية اندماجهم في المجتمع “الآخر” عبر تنمية الذائقة الموسيقية إزاء الأعمال الكلاسيكية، التي أحد أهم تشكلات الذاكرة الثقافية للإنسان الأوروبي.

فتحت عنوان “حينما يكون برامز مختلفاً”، نسبة الى الموسيقي الألماني يوهانس برامز، أقيمت حفلتان في كل من مدينتي برن وزوريخ (16-09 2016 و18-09- 2016)، بمشاركة عدد من المغنين وجوقات الموسيقى خصوصاً جوقة كنيسة قرية بيغلين القريبة من برن، وبقيادة المايسترو مارتن شتودر قائد “أوركسترا زوريخ الجديدة”.

في حين يقتصر حضور البرامج الموسيقية الكلاسيكية على علية القوم- اذا صح التعبير- وعلى النخبة المثقفة التي تتمتع بذائقة فنية عالية واطلاع ثقافي جيد، ارتأى منظمو الحفل الموسيقي للأوركسترا الجديدة في زوريخ، إشراك بعض اللاجئين في تذوق الموسيقى، عبر دعوتهم مجاناً من خلال المشرفين على تجمعاتهم في كل من مدينتي برن وزوريخ، على الرغم من أن بطاقة الدخول تراوحت بين ثلاثين وخمسين فرنكاً (أي ما يعادل 31 دولاراً و51 دولاراً أميركياً).

وعلى الرغم من أن بعض المدعوين من مخيمات اللجوء اصطحبوا أطفالهم الذين هم من دون سن العاشرة في مخالفة لقانون الحضور، وفي تأكيد لحجم اختلاف الذهنيات بين الشرق والغرب، فإن إدارة الحفل غضت النظر ورحبت بالحضور، مخصصة أماكن لهم في قاعة الكنيسة الفرنسية التاريخية في برن، وفي كنيسة القدس بطرس في زوريخ، حيث تم تقديم البرنامج نفسه في كلا المدينتين.

الأمسية في برن، كانت أكثر من رائعة، إذ تناغمت أصوات المغنين مع إيقاع الموسيقى في فضاء الكنيسة الرحب، حيث تساعد الهندسة البنائية في توزيع عادل للألحان، يتناغم مع جمالية الجدران العريقة المزينة بفنون متواضعة تحكي قصة بنائها الذي يعود الى القرن الثالث عشر.

يدخل هذا النشاط في إطار مشروع للتفاعل مع القضايا الأساسية، إذ أن حضور أشخاص من خارج دائرة الجمهور التقليدي لحفلات الموسيقى الكلاسيكية، يعزز محاولات الإندماج لشريحة واسعة من ذوي الظروف المعيشية الصعبة، وذوي الحاجات الخاصة وأولئك الذين يعيشون على هامش المجتمع والعائلات التي فقدت أفراداً منها في حرب أو في حوادث مآساوية مختلفة.

بحسب ما ورد في موقع الفرقة الموسيقية على الانترنت، فإن هدف هذا النوع من الفعاليات هو محاولة لمعالجة القلق الناتج عن صعوبات تحقق الاندماج للمهاجرين في المجتمع السويسري.

أما البرنامج فقد تضمن مقطوعات عديدة من ضمن محطتين الأولى مع الموسيقي الألماني يوزف هايدن، من خلال تقديم أربع مقطوعات من سيمفونيته السابعة، والثانية مع برامز في عمله الأوبرالي 45، “موسيقى قداس الموتى”، الذي تضمن سبع مقطوعات، شارك فيها عشرات المغنين من جوقات متعددة كانت أبرزهم صاحبة الصوت الشجي (السوبران) زاندرينه دورين، وذو الصوت الجهوري (الباس) ميلان.

وفيما تشكل الموسيقى لغة عالمية قد يفهمها الجميع على اختلاف منابتهم وثقافاتهم، فإنها أيضاً تساهم في تقريب وجهات النظر وتقليص حجم المسافة بين المجتمعات المتباعدة. لذلك لا بد لمن يعيش في المجتمع الأوروبي أن يتعرّف على أهمية الموسيقى الكلاسيكية في حياة هؤلاء الناس، ودورها في صقل شخصياتهم، وتعودهم على الهدوء والعيش في سكينة. لذلك تصبح السمفونية الموسيقية هنا كأنها صلاة من غير بعد ميتافيزيقي تهذب النفس وتعمم حالة من الخشوع بمعنى التأمل والراحة النفسية لا بالمعنى التعبدي الديني. بيد أن الكنائس هنا تقدّم للجمهور هذه الميزة الفنية الرائدة كفعل جمالي مواز للصلاة يستقطب أيضاً غير المؤمنين وغير المسيحيين.