- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

جعلوا منّا أناساً نفرح لفراق فلذات أكبادنا

mohamad-farhatمحمد فرحات

لأَنِّي أُريد لهذه العيون أن تفرح أدعك تغادر.
أنت، يا صاحب ” العيون الزِّرق والأسنان الفِرق ” والشعر الأسود والبشرة البيضاء ستكبر بعيداً عن ناظري وحضني. وأكثر ما سأفتقده هي تلك ” العبطة ” في ليالي البرد، والتي كانت تستمرّ الى لحظة الإستيقاظ.
لا همّ… أريدك في أمنٍ وأمان. أريدك أن تحيا بشكلٍ عادي ” وبلا زيادة أو نقصان ” في مجتمع عادي وبين أناس عاديين، لا أكثر ولا أقل.
أناسٌ يعيشون بشكل طبيعي في بلد يحكمها القانون ومن بديهيّاتها الديمقراطية وحرّية التعبير، لا تخشع لزعيم ولا تُباع أو تُشترى… أناسٌ لا تقبّل الأيادي ولا تتّقن تبييض الوجوه. أناس بأغنيائها وفقرائها تعشق بلدها، تتوحّد عند كلّ لحظة يُساء فيها الى كرامتها وتاريخها… أناسٌ لا تحتكر الألوان الزاهية لرايات أحزابها، بَلْ تدمع عيونها بحماس وبصدق عند رفع راية الوطن الواحدة.
لَكَ هنا منزل وحقل وذكريات، ستعود إليهم عندما يُصبح وطننا وطن. ستعود عندما يتلاشى الجهل، المذهبية، الفساد، السرقة، التشبيح، الإستزلام، المرافقون، السيارات المفيّمة، السلاح الداشر، النهب، الحُفر في الطرقات، الغلاء، المحسوبيات، النفايات من الشوارع، الفلتان الأمني، العهر، الدّجل والنفاق…
ستعود يا ولدي عندما سيكون لوطننا راية واحدة… عندما سيتوقّف الجميع عن انتهاك سمائنا وبحرنا وأرضنا…
كيف جعلوا منّا أناساً نفرح لفراق فلذات أكبادنا، وكيف استطاعوا أن يحوّلوا لحظات وضع الأمتعة في حقيبة السفر إلى لحظات سعادة…
فقط في وطننا، يا ولدي، البيوت الخالية ترشح حياةً وبسمات…
اترك وطن الحزن يا ولدي ولا تنظر الى الوراء… الحياة أروع مما عرفته وشاهدته هنا.
الحياة أمامك وهي لك!