تجد نساء كثيرات من كوريا الشمالية انفسهن امام خيارين صعبين، البقاء في ظل القمع والبؤس في بلدهن، او الهروب الى الصين في رحلة محفوفة بخطر الوقوع في براثن الدعارة والزواج القسري.
وتروي الناشطة الكورية الشمالية هيونسيو لي التي فرت من بلدها قبل نحو عشرين عاما رحلتها القاسية للهروب من اكثر بلدان العالم انغلاقا وانتهاكا لحقوق الانسان، بداعي الفضول لمعرفة ما يجري في العالم الخارجي.
فهذه الشابة ابنة عائلة مرفهة نسبيا، وهي بالتالي مختلفة عن النساء الفقيرات اللواتي يخاطرن بحياتهن بحثا عن مستقبل افضل خارج البلد.
وقصت لي تفاصيل رحلتها في كتاب “الفتاة ذات الاسماء السبعة” الذي حقق مبيعات عالية، وهي اليوم ناشطة في حماية الاشخاص الذين يفرون من كوريا الشمالية، ولاسيما النساء اللواتي غالبا ما يقعن في الصين ضحايا لشبكات الدعارة او للزواج القسري.
وتقول لي في مقابلة مع وكالة فرانس برس على هامش معرض الكتاب في هونغ كونغ “ما عدا اقلية صغيرة محظوظة، تعيش معظم النساء الهاربات من كوريا الشمالية حياة بائسة”.
وتضيف “يتعرضن للاغتصاب مرات عدة في اليوم الواحد، من عدد لا يحصى من الزبائن”.
سمعت لي عددا من الشهادات من النساء الهاربات، واصابتها بالذعر، فقررت تاسيس منظمة “نورث ستار ان كي” غير الحكومية، والتي تسعى الى مساعدة الكوريات الشماليات اللاجئات في الصين وجنوب شرق اسيا.
وتقول “يتعرضن لكثير من الاذلال بحيث يصعب عليهن الكلام عن ظروفهن، لذا قررت ان افعل شيئا مختلفا لهن”.
– مقيدة بالسلاسل –
رغم الاجراءات المشددة التي تتخذها السلطات الكورية الشمالية، الا ان عبور الحدود الى الصين ليس بالامر الشديد الصعوبة، فالنهران الحدوديان “يالو” و”تومان” غالبا ما يكونان متجمدين في الشتاء.
لكن الصعوبة الحقيقة هي في الصين التي لا تعترف بحق اللجوء، ولذا تعيش الشابات تحت خطر التسليم الى سلطات بلدهن في اي لحظة.
ولذا يقبلن بأي شيء يملى عليهن، ويخضعن تماما لرغبات المهربين، الامر الذي يجعل من الدعارة الجبرية او الزواج القسري مسارا لا بد منه للغالبية الساحقة من اللاجئات، على طريق العثور على بلد ثالث يعشن فيه اياما افضل، بحسب فيل روبرتسون المدير المساعد لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” في اسيا.
وافلتت لي من هذا المصير القاتم في الصين، اذ هربت من عملها في صالون تصفيف شعر بعدما اكتشفت انه في حقيقة الامر بيت للدعارة.
وكثيرا ما تباع النساء الكوريات الشماليات في الارياف الصينية، اذ ان سياسة الطفل الوحيد دفعت الكثيرين الى تفضيل الذكور والتخلص من الاناث، الى حد اصبح هناك نقص في النساء في سن الزواج في الصين.
وتبدي بعض العائلات الصينية استعدادا لدفع مئات الدولارات لشراء زوجة للابن بحيث لا يبقى عازبا.
وتقول لي “تعرفت على شابة كان زوجها الصيني يضربها بعنف، ثم قيدت بالسلاسل كي لا تهرب”.
ازاء هذا الواقع القاسي، لا تجد بعض الكوريات الشماليات بدا من الانتحار، فيما تعيش الباقيات على امل ان يهربن يوما ما من هذا الكابوس، بحسب لي.
هربت لي من بلدها مدفوعة برغبة بالتعرف على الصين وما فيها، اذ كانت تجذبها الاضواء الآتية من هذا البلد عبر الحدود، من الضفة الاخرى من نهر يالو المحرم اجتيازه على الكوريين الشماليين.
وتقول “كان بلدنا يغرق في الظلام، في الوقت الذي كان يقال لنا اننا متفوقون” عن كل العالم، بحسب الدعاية الداخلية للنظام الحاكم في بيونغ يانغ.
وتضيف “الامر المحزن ان معظم الكوريين الشماليين يظنون ان غياب الحرية هو امر عادي”.
لكن قرب بيت عائلتها من الحدود مع الصين اتاح لها مشاهدة القنوات التلفزيونية الصينية خلسة، وهو ما فتح عينيها على ما يجري خارج السجن الكبير الذي يعيش فيه شعبها.
وساهم ايضا في اثارة الشكوك في داخلها المجاعة التي ضربت كوريا الشمالية في التسعينات.
وتقول “في مدينة هييسان حيث كنت اعيش، كانت جثث الناس ملقاة في الشوارع، كانت رائحة الجثث المتحللة تثير الغثيان”.
حين قررت لي عبور الحدود، كانت في السابعة عشرة من العمر، وكانت تريد فقط ان تزور الصين لبعض الوقت، لكن امثالها ممن يغادرون البلد يعاملون على انهم خونة، فاستمرت رحلتها عشر سنوات اضطرت خلالها الى تغيير هويتها مرات عدة.
وتضيف “كنت ابكي كثيرا في الصين، كنت على قناعة باني لن ارى عائلتي مجددا”.
في العام 2008، حصلت لي اخيرا على لجوء في كوريا الجنوبية، ونجحت ايضا في اخراج عائلتها من الشمال.