- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

«أقنعة الروح» للسويدي كفيست باللغة العربية

sans-titreباريس- الطيب ولد العروسي(خاص)

أحيي الشاعر الجزائي “محمد بوطعان”، الذي أهداني نسخة من رواية “أقنعة الروح”، للكاتب السويدي “بار لاجيركفيست”  Pär Lagerkvist، والتي قام بترجمتها من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، والصادرة في الجزائر عن منشورات “دار فيسيرا”، عام 2010، تقع في 106 صفحات.

أنها رواية رغم صغر حجمها، ورغم عدم تداول أسماء الشخصيات المكونة لها، عدا اسم البطلة “أرنا”، التي نتعرف على اسمها بعد الصفحة 30 ، ونكتشف اسم البطل بعد ذلك بعشر صفحات، فإننا أمام فضاءات مثيرة جذابة، أو أمام لوحات فنية جميلة، أو موسيقى هادئة، وشخصية البطل والبطلة دائمتا الترحال، وكأنهما يبحثان عن عالم بديل للعالم الذي تعيش فيه الإنسانية.

انطلقت أحداث القصة من لقاء عابر بين البطل والبطلة في مقهى، وبسرعة توطت علاقتهما، ادّت إلى زواجهما، تمتعا بحياتهما في تنقلاتهما في بلدان كثيرة، مما جعلهما يعيشان في تناغم هادئ وجميل، لكن “أرنا” أرادت أن تحقق ذاتها، كونها تريد أن تكون أما، فوجدت الإقبال التام من زوجها، غير أن الأمور لم تسر كما كانت ترغب، لأنها كانت تعاني من فقر الدم، وأنها عرجاء، وعندها ضغط الدم، ومشاكل في القلب، فلما حان وقت الولادة أصيبت بنوبة صحية، مات طفلها، مما قلب حياتها رأسا على عقب، ولا سيما وأن الطبيب نصحها بأن لا تفكر مرة ثانية في الإنجاب، فدخلت في عالم مساءلة ذاتها والانطواء على نفسها، وإلى نفق مرهق بالتساؤلات ومن التشاؤم الحاد، إذ بدأت ترى في الآخرة بديلا أحسن، ربما سيتيح لها فرصة التقاء ابنها، وبالتالي تترك مكانا لزوجها ليلتحق بهما ويكونوا ثلاثيا رائعا.

ماتت وتركت زوجها وحيدا، لم يعد يتحمل غيابها، والحياة بدونها، ترك مدينته وسافر إلى باريس لعدة أشهر، حيث زار معظم الأماكن الأثرية، وحتى فضاءات الإغراء التي لم تستهويه، لأن روح “أرنا” كانت حاضرة معه في كل مكان، فأصبحت الحياة بدونها لا تساوي شيئا بالنسبة إليه، فقرر كتابة رسالة طويلة إلى أخيه يترجاه فهم ظروفه وأوصاه بأن يحمل جثته ويدفنها بجوار زوجته وابنه «أتوسل إليك أن تتكفل بهذا وأنا واثق من تنفيذ رغبتي وأنك ستلبي لي هذا الطلب الأخير” ( ص.104 من الرواية”، فشرب جرعة من السم ومات. حيث “جعل برحيله هذا إلى حيث تنام، بل حيث تحيا “أرنا” “إلى البلاد التي تقيم فيها الأرواح، هناك ليست كما هناـ لهم وجود أسمى من هذا، وجود وفي تلك البلاد حفل دائم، دوما حفل مقنع” ( ص. 106 من الرواية”.

تعبر هذه الرواية عن لقاء الأرواح التي تحقق السعادة في عالم بديل عن عالمنا. إنها رواية تشد القارئ بأسلوبها الرائع، وكثافة عباراتها الفلسفية التأملية، وأكاد أقول الصوفية، لم نعهد قراءتها في روايات أخرى، لأنها تتطرق إلى أهمية الحب في الحياة البشرية عندما يكون صادقا ومبنيا على عواطف إنسانية نبيلة. وهي تتطرق إلى حياة الإنسان المعاصر التي لا هوادة فيها، والذي راح يشك في كل شيء، حتى التقى بالحب ونشوة العاطفة النقية.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الرواية صدرت في السويد عام 1953، وتمت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية عام 1974، وأن كاتبها السويدي “بار لاجيركفيست (1891- 1974)، تحصل عام 1951 على جائزة نوبل، وترك أعمالا إبداعية كثيرة، كان يهتم بالفن التشكيلي والرسم، وتعرف على فنانين كبار من ضمنهم “بابلو بيكاسو”.

تحية لأولئك المترجمين أمثال محمد بوطعان الذين يعملون في صمت، والذين أتاحوا للقارئ العربي الاطلاع على أعمال إبداعية عالمية مميزة.