وسط النقاش المحتدم حول سياسات الحكومة الفلسطينية، الاقتصادية تحديداً، لا يبدو وضع البلد بأحسن حال، فقد كنا سابقاً نتحدث عن “الأمن الوظيفي”، بينما بتنا الآن لا نتحدث سوى عن “الأمن الغذائي” ونظيره “الأمن المعيشي”. ويبدو أن حكومتنا وأي من المسؤولين عن ارتفاع الأسعار في بلدنا، تناسوا فرق دخل الفرد بين الفلسطيني والإسرائيلي، حتى وصلنا نقطة فيها غلاء المعيشة مثل إسرائيل، في حين اللهم لا مقارنة بين الدخلين!
لم نعد نعلم من أين نبدأ الحديث، عن وزن كيلو الخبز الذي لا يمكن أن تجده 1 كغم، أم عن سعر كرتونة البيض التي حققت نقلة غير مسبوقة وأضحت فعلا كـ”الذهب الأبيض” الذي يصعب الحصول عليه، أو أي من السلع الأساسية غير المدعومة من الحكومة.
ماذا عن التغيير الكبير في كيفية احتساب أسعار المياه التي أعلن عنها قبل أيام، والتي قيل أنها بحجة ترشيد استخدام المياه لقلته، هل يعني ذلك تقليل كمية المياه التي نشربها؟ أم يعني أن نتوقف عن “الاستحمام” من كثرة نظافتنا! ماذا عن أطفالنا وحاجاتهم لاستخدام المياه؟ هل نضع لهم عداداً جديداً على طريقتكم؟
ماذا يعني أن ندفع “إنارة الشوارع” بينما الآلاف لا يدفعون؟ ما هي الكلفة الحقيقية لإنارة الشوارع وكيف توزع ما بعد الجباية؟ أم أن الجباية حصرية على عدد من المواطنين، بينما الآخرون معفيين منها ومن كل ثقافة “الدفع” بينما لا تستطيعون فعل شيء معهم؟
طيب ها هي إسرائيل أعلنت عن ارتفاع قريب لأسعار الغاز والبنزين، وأنتم كذلك كما خبرناكم بانتظار رفعها بعدهم مباشرة، فهل تعتقدون بأننا نستطيع احتمال أن تصبح جرة الغاز بـ90 شيقلاً؟ أم أن نقود سياراتنا بسعر ليتر قد يتجاوز الشواقل السبعة؟ أم تعتقدون بأننا “مجانين”؟
لطالما نادينا بالعودة لثقافة الانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة، تلك الثقافة الراقية التي قادت البلد “بدون حكومة”، فشكراً لأنكم تدفعون بنا في هذا الاتجاه، فنحن سنعود لزراعة كل شيء في محيط بيوتنا، كي لا نأكل خضروات وفواكه بمبيدات قد تقتلنا وبأسعار فوق طاقتنا، وسنعود لتربية الدواجن والأرانب كي نأكل لحماً صافياً وبسعر فيه مخافة الله، وسنعود لموقد “الحطب” لأنها أقل كلفة وأكثر تدفئة لمنازلنا من كل أنواع البترول، والغاز والكهرباء.
لقد أفقدتمونا حتى القدرة على التركيز، وتوجيه دفة التفكير، حتى أصبحنا على وشك النسيان بأننا نقبع تحت الاحتلال، وأصبح جل اهتمامنا توفير لقمة العيش، والبحث عن عمل إضافي، وتوفير متطلبات “حياة جهنم” التي تمر علينا هذه الأيام، بينما راتبنا لو كان بالدولار فقد تهاوى، ولو كان بالشيقل فقد رفعتم أسعار كافة الخدمات.
لا تستغربوا خروج الناس إلى الشوارع، فأنتم من تدفعون بهم في هذا الاتجاه، واعلموا أن الأمر مرتبط بكرامتهم، وكبريائهم، وعجزهم عن توفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، وبات الأمر بالنسبة لهم أشبه بالمستحيل، وأصبح “الممكن” الوحيد لهم هو “الشارع” لرفع الصوت لرب العالمين وليس سواه!
