- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

باريس عاصمة العطور في العالم

باريس- أوراس زيباوي (خاص)

منذ نهاية القرن التاسع عشر، صارت باريس عاصمة الأناقة في العالم، وقد تبارت دور الأزياء العالمية، ومنها كريستيان ديور وشانيل، ليس فقط في صناعة الملبوسات الفخمة والمبتكرة، بل أيضاً في مجال العطور فصارت العاصمة الفرنسية منبع العطر ومصنعه الأول في كل مكان. وللتأكيد على دور باريس الريادي في صناعة العطور وابتكار الأنواع الجديدة منها كل عام، افتُتح في الدائرة الثامنة متحف جديد اسمه “المتحف الكبير للعطور”. يقع هذا المتحف في قصر فخم قديم كان في الماضي مقراً لمصصم الأزياء الفرنسي المعروف كريستيان لاكروا، وهو في قلب شارع « الفوبور سانتونوري » الشهير والذي يضم أعرق محلات الأزياء وأفخمها.

ليس هذا المتحف الجديد متحفاً بالمعنى المتعارف عليه، فهو لا يضم مجموعة أثرية نادرة. إنه مشروع جديد من أهدافه التعريف بتاريخ العطور منذ أقدم الحضارات الإنسانية وكيفية صناعتها عبر العصور ومدى تفاعل الحواس معها. ولقد اعتمد مصمّموه على أحدث الوسائل السمعية-البصرية والتصاميم التي تبهر العين لاستقطاب الفرنسيين والسياح من العالم أجمع. وكان رئيس المتحف، ويدعى غيّوم دو موسيون، قد صرح لنا في الحفل الذي شهد افتتاحه أنه يتوقع أن يزوره سنوياً ما لا يقلّ عن 300 ألف زائر، وأنّ عناصر عديدة قد اجتمعت لإنجاح المشروع، ومنها أولاً موقع المتحف ومبناه الرائع الذي يضم حديقة واسعة مساحتها 1200 متر مربع وستزرع فيها أنواع النباتات والأزهار المعروفة في صناعة العطور، وستتحوّل خلال فصلي الربيع والصيف مسرحاً للكثير من النشاطات التي ستقام في الهواء الطلق.

خصص المتحف للتعريف بتاريخ العطور طابقاً بأكمله. وتؤكد الأبحاث التاريخية أن رحلة العطور بدأت في الشرق، في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين، وتشير إليها نقوش ونصوص تاريخية قديمة، بما في ذلك بعض النصوص الدينية. أما في فرنسا فقد بدأت صناعة العطور فعلياً في القرن السابع عشر بفضل تشجيع ملوك فرنسا، ممّا ساهم في ازدهار عدد من المدن كمدينتي مونبولييه وغراس في جنوب فرنسا. وتضمّ غراس، هي أيضاً، متحفاً للعطور يؤمّه آلاف الزوار سنوياً وهي تشتهر في العالم بمساكب أزهارها وسط طبيعة متوسطية خلاّبة.

تبين زيارة المتحف الباريسي الجديد أن مجموعة من العناصر مكّنت الفرنسيين من فرض أنفسهم عالمياً في صناعة العطور، منها أولاً التقدم العلمي الذي يسمح باستخراج أروع وأصفى ما في عروق الأزهار. كما ان التفوق الفرنسي في المجالات المتعلقة بالمنتجات المرتبطة بالأناقة والبذخ والجودة والتسويق التجاري سمحت لباريس أن تصبح العاصمة الأولى للعطور في العالم كما أشرنا.

تخبرنا معروضات المتحف أيضاً أنّ لسيرة العطر في باريس فروعاً متشعّبة، فالعطر لا يحضر فقط في دور الأزياء والمحلات المتخصصة في بيع العطور، بل كذلك في مخيلة كبار الكتّاب والشعراء ونتاجهم ومنهم الشاعر شارل بودلير الذي عاش في القرن التاسع عشر وتحدث عن العطور في ديوانه الشهير “أزهار الشر”. كتب قائلاً: “ثمة عطور طرية مثل بشرة الأطفال، ناعمة مثل مزمار، خضراء مثل الحقول…”. كذلك تحضر العطور في العديد من الأعمال الروائية ومن أشهرها رواية بعنوان “العطر” للكاتب الألماني باتريك زوسكيند وتدور أحداثها في القرن الثامن عشر في باريس ومدينة غراس التي أشرنا إليها، وقد تحولت هذه الرواية التي نالت شهرة عالمية الى فيلم سيينمائي عام 2006.

زيارة “المتحف الكبير للعطور” في باريس تجوال عبر الأزمنة والأمكنة الهدف منها إيقاظ حاسة الشم والتأريخ لها وإيصال رسالة ثقافية وتعليمية الى الكبار والصغار على السواء عبر المعروضات المختلفة والتقنيات الحديثة المتنوعة. إنها رحلة في عالم العطورالباريسية والتي يتجاوز عددها السبعين عطراً، ‪وتبدو للزائر كأنها أمواج تتقدّم وتعطّر الهواء والمشاعر والأمزجة.