- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

النفاق اللبناني

معمر عطوي

كلما أتت حكومة لعنت أختها، ونبشت كل ماضيها لمحاسبتها، فيما يئن المواطن من الجوع والقهر والحرمان، وليس هناك رجل سياسي واحد يكلف نفسه النظر الى هذا المواطن البائس، إلا قبل شهر من موعد الاقتراع في انتخابات بلدية أو نيابية. هذا هو واقع لبنان اليوم وربما منذ تقمصته الروح الفينيقية في العام 1922، يعيش في الذهنية نفسها.

مذاهب متناقضة يجمعها على مائدة واحدة نفاق وتكاذب ومصالح مشتركة بين كبار المسؤولين الذين يجرون الصفقات العابرة للطوائف على حساب الفقراء، وبدلاً من أن يُصار الى محاكمة جماعية للمفسدين والفاسدين (وهم من كلا المعسكرين الحاكمين لهذه البقعة الجغرافية الصغيرة)، يلجأ البعض الى “الزكزكة” والكيدية وتسجيل نقاط في مرمى الآخر، من دون اتخاذ أي اجراءات تكشف الغطاء عن المجرمين والسارقين ومن وراءهم. حتى الخونة في هذا البلد أصبحوا يتمتعون بحقوق مدنية وسياسية بعد تنفيذهم لعقوبة السجن التي لا تزيد عن عقوبة جنحة من الجنحات غير الشائنة.

أحزاب لا تعرف من معنى الحزب ودوره، وفق القواميس العالمية، إلا الإسم، تقوم بتمثيل الطوائف وتتبنى حمايتها والنطق باسم رعاياها ولا تأبه للأسس والقواعد التي قام عليها الحزب أصلاً.

جماعات وتيارات تفوح منها رائحة العفن الطائفي والمذهبي ولو تغنت ليل نهار بالوطنية والعلمانية ودولة القانون والمؤسسات. حتى الأحزاب والتيارات الطائفية ذات اللون الواحد، وهي الغالبة على المشهد، تزعم بأنها غير طائفية وبأنها وطنية وتسعى الى الدولة المدنية العصرية.

رجال دين يلعبون دور الولي الفقيه في كل شاردة وواردة ويتدخلون في التعيينات الإدارية الرسمية والخاصة، حتى يبدأ التدخل من اختيار شخص الرئيس الى أصغر موظف في الدولة أو في إحدى الشركات الفاعلة الخاصة. والولي الفقيه في لبنان موجود لدى كل طائفة ولدى كل مذهب.

الوزراء ينشغلون في استخراج أخطاء وسرقات وفساد أسلافهم (وما أكثرها) على حساب تفعيل المشاريع التي من شأنها انتشال المواطن من هذه الورطات التي وضعه فيها الأسلاف، وبذلك يأتي الخلف على طريق السلف فيعيد مشهد الفساد والسرقات والكذب والنفاق، ويبقى المواطن في حالة غرق متزايد. وهكذا يصبح السياسيون ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.

مستوى التغذية بالتيار الكهربائي وصل الى حده الأدنى مع حكومة نجيب ميقاتي. الانترنت وعدوا بزيادة سرعته وتحسين أدائه لكنه لا يزال في الحضيض. أسعار السلع والخدمات تضاعفت قبل أشهر من إقرار زيادة الأجور التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، حيث خرجت على قياس أصحاب الشركات الكبرى وأرباب العمل؛ معظم الوزراء والنواب منهم ويا للمفارقة!.

الكل يتغنى بالدولة المدنية، لكن لا أحد مستعد من هؤلاء السياسيين لتأييد قانون انتخابي قائم على النسبية يحد من هيمنة الطائفيين ورجال الدين ويؤمّن للمواطن أفضل تمثيل في الدولة. الكل يريد الدولة على قياسه من اليمين الى الشمال ومن الشرق الى الغرب: فئة تتمسك ببدعة دستورية اسمها الديموقراطية التوافقية وأخرى تتمسك بنظام غير نسبي ليضمن لكل طائفة تمثيلاً موازياً لتمثيل الطائفة الأخرى حتى ولو كانت هذه الصيغة عير حضارية وغير قانونية.

أما الشعب فهو المشكلة الأساسية وهو الضحية الأكبر. مشكلة هذا الشعب أنه مستعد للنزول إلى الشارع من أجل الدفاع عن ما يسميه “قداسة” رجال دين أو زعماء طوائف إقطاعيين أو حتى مجرمي حرب وسارقي اموال عامة وخاصة. لكنه هو غير مستعد أبداً للتظاهر ضد النظام الطائفي أو من أجل كرامته ورغيف خبزه وحريته. جل ما يجمع هذا الشعب ذهنية متخلفة تضع الطائفة والجماعة في قائمة الأولويات وتصادر العقل على حساب الغرائز. لعل القاسم المشترك بينهم “نفس أركيلة” يلوث البيئة ويضر الناس الطيبيين القلة الذين لا يزالون خارج لعبة الطوائف والصفقات وهم ممن لا حول لهم ولا قوة يلعنون الانتخابات ومرشحيها ليل نهار يتمنون رجعة العقل الى رشده.