- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الجرائم الأميركية وحديث الديموقراطية

ألآن غريش

مجزرة «حديثة» من دون عقاب

فقط بضعة أسطر في صحيفة «لوموند» نقلت الخبر، فيما تجاهلته معظم وسائل الإعلام الأخرى. جاء في الخبر «إن الاتفاق القضائي الذي سمح للرقيب في الجيش الأميركي، فرانك فوتريش، بتجنب السجن رغم أنه متهم بقتل ٢٤ عراقياً بينهم ١٠ نساء وأطفال في منطقة حديثة عام ٢٠٠٥، سبب تقززاً في العراق. باعترافه بالجريمة أمام محكمة عسكرية، فإن الرقيب لن يصيبه سوى تخفيض لرتبته ووقف احتياطي لمدة ثلاثة أشهر. وقد ندد رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي سليم الجبوري بهذا الحكم، واعتبره إهانة لكرامة العراقيين».
هذا فقط. لا تعليق في صحيفة «لوموند» ولا افتتاحية وكذلك الأمور في «الكي دورسيه» الذي يسارع عادة لإظهار تعاطفه لكل خرق لحقوق الإنسان، ظل صامتاً.
في تذكير لما حدث: في ١٩ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٥ انفجر لغم بدائي في حديثة في محافظة الأنبار عند مرور قافلة للجيش الأميركي، وتسبب بمقتل عريف. وقد انتقم المارينز الأميركيون بقتل عدد كبير من المدنيين وحاولوا التمويه على جريمتهم وادعوا بأن غالبية القتلى قضوا بانفجار القنبلة. إلا أن التناقضات ومجهود الصحافة، وخصوصاً «تايم ماغازين» (Time Magazine)، أفضت إلى فتح تحقيق واعتراف الفرقة العسكرية بأن المارينز أطلقوا النار تعمداً على المدنيين. في عام ٢٠٠٧ أنتجت هوليود فيلماً يروي الجريمة تحت عنوان «معركة من أجل حديثة» (Battle for Haditha).
إلا أن المحكمة التي انهت أعمالها، وحكمت قبل أيام بالتخلي عن ملاحقة ستة مارينز وحكم خفيف على الرقيب، أظهرت كم هو منحرف القضاء الأميركي عندما يتعلق الأمر بجرائم حرب يرتكبها مواطنيها. هذا يوضح لنا لماذا واشنطن، التي تسعى لسوق هذا أو ذاك المسؤول في دول صغيرة أمام محكمة العدل الدولية، ترفض توقيع البروتوكول والمصادقة على قانون إنشاء هذه المحكمة٬ السبب الظاهر هو خوفها من أن يساق أمامها مسؤولوها، ومنهم من أطلق الحرب على العراق (اقرأ: محاكمة المجرمين من لبنان إلى العراق Du Liban à l’Irak, juger les criminels).
بتاريخ ٢٧ كانون الثاني/يناير نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» ( New York Times)  مقالة تحت عنوان «مذبحة عراقية: كلمات بسيطة ومسألة قضاء عسكري» (An Iraqi Massacre, a Light Sentence and a Question of Military Justice ) بقلم شارلي سافيج (Charlie Savage) وإليزابيت بوميلر (Eilsabeth Bumiller) اللذين كتبا: «أظهرت المعلومات القليلة أن العسكر عندما حاولوا ملاحقة جنود بتهم القتل أو القيام بمذابح في مناطق القتال، فإن نسبة التبرئة كانت أكثر ارتفاعاً من تبرئة المدنيين». هذه النسبة المرتفعة تؤكد من دون أي شك للعراقيين ولشعوب المنطقة، بأن حديث الغرب عن الديموقراطية وحقوق الإنسان ما هو إلا غطاء لسياسة صلفة.

Alain Gresh