- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فرنسا: الانتخابات الرئاسية ليست سباق خيل فابتعد عن «التصويت المفيد»

نقطة على السطر

باريس – بسّام الطيارة

قبل أريع وعشرين ساعة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية يتردد الناخبون الفرنسيون والمراقبون في إصدار أي تنبؤ بمن يمكنه العبور إلى المرحلة الثانية… من الدون النظر بتأني إلى البرامج وكأن السباق الرئاسي هو سباق خيل!

التردد ليس بين المرشحين الأحد عشر المشاركين في الجولة الأولى من أكثر انتخابات رئاسية غير متوقعة النتائج في تاريخ فرنسا الحديث، ولكنه في الواقع بين أربعة مرشحين يتصدرون استطلاعات الرأي: يأتي في المقدمة إيمانويل ماكرون الوسطي ومارين لوبن زعيمة الحزب اليميني المتطرف الجبهة الوطنية بـ ٢٣ في المئة، بينما يحصل مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون على ١٩،٥ في المئة و مرشح اليمين المحافظ فرنسوا فيون على ١٩ في المئة.هؤلاء الأربعة يمكنهم الوصول إلى الدورة الثانية«نظرياً» إذ أن هامش الخطأ في الاستطلاعات الرأي هو في حدود الـ ٣،٥ في المئة.

مرشح الحزب الاشتراكي يأتي خامساً ولا يتجاوز الـ ٧،٥ في المئة. أما بقية المرشحيين فالأرقام التي جاءت في آخر إحصاء لا تعطي أياً منهم أي فرصة للوصول إلى الدورة الثانية، ولا تدخل أسماءهم ضمن دائرة التردد. ولكن كل هذا نتاج استطلاعات لرأي جاءت انتخابات أميركا لتكذب صحتها وكذلك بريكسيت المملكة المتحدة.

طرح جديد روج له الإعلام بغاية أو بدون وهو ضرورة «التصويت المفيد من الدورة الأولى» استناداً إلى هذه الاستطلاعات!

ما معنى التصويت المفيد من الدورة الأولى؟ القصد من ذلك عدم التصويت لمن لا أمل له بالوصول إلى الدورة الثانية. وهو كان موجهاً منذ البداية لقطع الطريق على بنوا هامون مرشح الحزب الاشتراكي والغرابة أنه جاء من… مؤيدي الحزب وكل من وقف وراء رئيس الوزراء السابق مانويل فالس الذي خسر سباق ترشيح الحزب ولم يف بوعده بدعم رابح السابق. حجة فالس الذي نكس وعده ورمى بتوقيعه على تعهد شرف في سلة المهملات هو منع وصول مارين لوبن وفرانسوا فيون أي اليمين بشقيه المتطرف والمحافظ إلى الدورة الثانية، ودعا إلى دعم … ماكرون. رغم أن نصف داعمي ماكرون هم من … اليمين وأن برنامج ماكرون هو برنامج يميني مئة في المئة، وهو شبيه ببرنامجه الذي سقط في سباق الترشح للاشتراكيين.

عندما تراجع هامون بسبب «خيانة» حزبه له انتقل الترويج لـ«التصويت المفيد» لقطع الطريق أمام ميلانشون مرشح اليسار الرديكالي ،وقد ازداد الضغط في هذا الاتجاه بعد أن ارتفعت حظوظ ميلانشون، فامتلأت المواقع الإعلامية بالترويج بضرورة التصويت المفيد لصالح ماكرون. وأضيفت حجة جديدة عندما بات ميلانشون يحتل المرتبة الثالثة وراء ماكرون ولوبن وجاءت هذه الحجة كأنها «قراءة وتبصير في فنجان التحليلات» تروج إلى أن وصول ميلانشون ولوبن إلى الدورة الثانية تعني وصول لوبن إلى الحكم لأن ميلاشنون «ليس جدياً» ولا يحمل المواصفات المطلوبة ليكون رئيساً.

جاءت هذه الضغوط الإعلامية عبر التحليلات وقراءات عوجاء لاستطلاعات الرأي لتزيد قناعات البعض (عددهم يتزايد) بأن «هناك مؤامرة لإيصال ماكرون إلى الإليزية» وجاء نبش ماضيه كمصرفي لدى بنك روتشيلد. ليزيد من هذه القناعات قوة وحججاً بأن المطلوب هو فسح الطريق أمام «مرشح المال» الآتي من «لا كان» من دون أي تاريخ سياسي سوى أنه كان مصرفياً وإن هو جلس في كرسي وزارة الاقتصاد لبضعة أشهر. كل ذلك بحجة منع لوبن أي منع اليمين المتطرف من الوصل إلى الاليزيه.

يأتي ذلك رغم أن الجميع يدرك بأنه أيا كان المرشح المواجه للوبن في الدورة الثانية فإن له أكبر الحظوظ بالفوز بالسباق (يقال في فرنسا اليوم إذا وصلت« مكنسة»  إلى الدورة الثانية فإنها ستفوز) إذ سيتكالب ضدها  مؤيدو كافة منافسيها وحتى ٨٠ في المئة من مؤيدي مرشح اليمين الكلاسيكي فيون.

إذا لماذا هذا التخويف والدعوة إلى «التصويت المفيد»؟

هذه الدعوة مناوءة للمبدأ الديموقراطي بشكل عام. إذ أن المنافسة في الدورة الأولى هي لإعطاء صورة حقيقية عن توجهات المواطنين السياسية، وأيا كان الرابح في الدورة الثانية فعليه أن يأخذ بعين الاعتبار المواقف السياسية التي عبرت عنها الأصوات في الدورة الأولى. مثلاً: في حال حصول الاشتراكيين على ١٠ في المئة وميلانشون على ٢٠ في المئة  مثلاً في الدورة الأولى هل يمكن لأي رئيس أن يتجاوز هذه النسبة (٣٠ ٪) في طروحات برنامجه للدورة الثانية؟ بالطبع لا ! لأن الجولة لأولى هي لتثبيت المواقف السياسية بينما الجولة الثانية هي للم شمل أوسع شريحة ممكنة ومن هنا تأتي التنقيحات على برامج المرشحين الذين وصلا إلى الدورة الثانية.

الدعوة للتصويت المفيد دعوة غير مفيدة للديموقراطية ثم أنها بدأت تعطي نتائج عكسية للمرشح الوحيد الذي يبدو مستفيداً منها أي مانويل ماكرون.

فلا داعي لعدم لعب اللعبة الديموقراطية ورسم صورة فرنسا السياسية الحقيقية خصوصاً وأن ارتفاع نسبة الفرنسيين المترديين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، يزيد من غموض هذه الانتخابات، فاستطلاعات الرأي لا تستطيع إعطاء أي إشارة لمن سيعطون أصواتهم؟ هؤلاء المترددون بلغت نسبتهم نحو ثلث الفرنسيين والتأثير سيكون في هذا الحيز من الأصوات لحسم السباق.

إذا أخي المواطن الفرنسي الذي يقرأ اللغة العربية، لا تتردد صوت لمن ترى أن برنامجه الانتخابي يلائم مصلحة البلد الذي حملت جنسيته دون النظر إلى النتائج المعلنة «تقديرياً نسبة لاستطلاعات الرأي والتحليلات». انتخابات الرئاسة ليست سباق خيل حتى تراهن على الحصان الفائز…