بسّام الطيارة
تابعت منذ اسبوع أخبار كاتالونيا. وقبلها باسبوع تابعت أخبار كردستان العراق. ومنذ بلغت سن «الفهم» تابعت بقوة أخبار فلسطين. وبين أخبار قبل الاسبوعين الأخيرين وفهمي لنكبة فلسطين تابعت أخبار ولادة بعض الدول وللمثال وليس للحصر: خروج دول الكتلة الشرقية من خلف الستار الحديدي وفلك روسيا الأمبريالية سوفياتياً، وتأثرت كثيرا باستقلال أرمينيا بالذات، تابعت أخبار استقلال التيمور الشرقية، وأنغولا، وأخيراً استقلال جنوب السودان عن… السودان.
مجموع ما انتابني من شعور وعواطف إبان متابعاتي هذه أكد لي مرة تلو الأخرى أنني من دون أي تردد مع استقلال أي شعب يريد الاستقلال وتقرير مصيره أيا كانت الظروف والعوامل. ويزداد إيماني بضرورة دعم تطلعات الشعوب عندما يجتمع عدد من العوامل مثل لغة خاصة مشتركة وعادات معينة وطباع اتنية مميزة.
ينطبق هذا على كاتالونيا وكذلك على كردستان العراق. لست بغفلة من أن لعبة الأمم قد يكون لها دور إما مُعيق أو مُؤهب لأي استقلال وذلك لأهداف بعيدة جداً عن تطلعات الشعوب. وقد لجأت كاتالونيا وكردستان العراق للاستفتاء وهو ابهر السبل الديموقراطية وأشدها تأثيراً.
كردستان العراق استفاد من الإطاحة بصدام حسين من قبل الأميركيين للحصول على حكم ذاتي كان مقرراً على الورق منذ عام ١٩٧٨ وشهد العالم للإقليم نهضة اقتصادية واجتماعية في ظل نوع من الاستقرار بعيداً عن المستنقع العراقي. استفاد كردستان العراق من هجمة داعش الإرهابية للتمدد في مناطق «خارج منطقة الحكم الذاتي» وهو ما شد من عصبية »العراقيين العرب» الذين اعتبروا ذلك عدواناً خصوصاً على كركوك المدينة الغنية بالنفط التي أخذت بقوة السلاح مع الحديث عن طرد آلاف السكان. لم يكتف البرزاني بالخروج من نطاق منطقة الحكم الذاتي ولكنه بعلاقاته مع «عدو العرب» اسرائيل خرج أيضاً من كنف محيطه ما شد من «عصبية كل العرب» ومعهم دول اقليمية رأت في الدولة المقبلة رأس حربة موجه لها.
كاتالونيا فعلت عكس ذلك فهي ثورة سلمية تريد الاستفادة من كنف الاتحاد الأوروبي، مفردات أوروبية والحديث عن الأوروبيين زينت كل خطابات الاستقلاليين. لا يطالب الكتالونييون بأي منطقة خارج إطار منطقة حكمهم الذاتي ولم يطردوا أي من السكان الاسبان، ويتحدثون عن البقاء ضمن إطار الوحدة الأوروبية.
خطان سياسيان يهدفا إلى الاستقلال ولكنهما خطان غير متوازيين: كردستان العراق يولد دولته في أفق مظلم ويدخل شعبه في صراع قد يمتد إلى عقود، بينما كاتالونيا تلقت العنف الاسباني من دون أي ردة فعل عنيفة ما «حشر» الأوروبيين، ويفتح الطريق نحو أفق أوروبي لا يبدو إلا مشرقاً.
رغم هذا فإن الحصول على الاستقلال والحرية شيء جميل جداً. عندما تابعت الصور التي بثتها التلفزيونات عن فرحة الأكراد والكاتالونيين لم أتمالك شعوري وتأثري وصعدت الدموع إلى عيني.
تساءلت بعد ذلك ما سيكون «وضع شعوري» يوم تحصل فلسطين على استقلالها.