- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوريا لم تعد سوريا

حسام كنفاني
بات من الواضح ان الأمور لن تعود في سوريا إلى ما كانت عليه قبل تاريخ الخامس عشر من آذار 2011. الكثير من الأمور تغيّرت، وما عاد من الممكن وقف حركتها التي تقود سوريا إلى سيناريوهات عدّة، سبق ان شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية، وبعضها لم يمر عليه أكثر من أشهر قليلة.

سوريا في المرحلة الحالية لم تعد تلك البلاد التي كانت تفخر بدورها الإقليمي وقدرتها على التأثير في المحيط، بعدما باتت منشغلة بأوضاعها الداخلية، التي تنبئ بأسوأ لا يزال قادماً، ليس أقله الحرب الأهلية، التي لم يعد من الممكن نكران أنها بدات بالفعل، وإن على نطاقات ضيقة، لكنها مرشّحة للتوسّع.

سوريا لم تعد سوريا، فخلال الأشهر الأحد عشر الماضية سقط آلاف القتلى وآلاف الجرحى، وتم اعتقال الآلاف أيضاً، وزادت النقمة على النظام بشكل غير مسبوق، فجدار الخوف سقط شيئاً فشيئاً، وهو ما تجلّى في الانشقاقات بصفوف الجيش، إضافة إلى حمل المواطنين للسلاح ضد السلطة، ما يؤكد ان العودة إلى الوراء باتت شبه مستحيلة، حتى في ظل الحملة الأمنية التي يشنها النظام، والتي لن تؤدي إلا إلى زيادة الأمور تعقيداً، سواء في صفوف المواطنين، أو بين عناصر الجيش برتبهم المتنوعة.

سوريا لم تعد سوريا، بات هذا أمراً واقعاً، لكن السؤال هو ماذا أصبحت؟ الإجابة لا تزال غير واضحة، وإن كانت مروحة واسعة من الاحتمالات مطروحة على طاولة البحث والنقاشات. كثيرون يرون ان العراق قد يكون النموذج الأقرب حالياً، من دون وجود أميركي، لكن القتال سيكون حاضراً والتفجيرات أيضاً، والانقسامات المناطقية وشبه حالات الانفصال في المناطق البعيدة عن المركز. السيناريو اللبناني أيضاً ليس بعيداً عن الواقع السوري، مع استنساخ تجربة الحرب الأهلية المناطقية الناتجة عن ضعف القبضة المركزيّة، وهو أمر يحصل في مناطق متعددة مع المجازر الطائفية التي بدأت تخرج بشكل فاقع إلى العلن مؤخراً.

وفي السيناريوهين اللبناني والعراقي، المتشابهين إلى حد كبير، فإن لبنان لن يكون في منأى عن مثل هذه التداعيات، وهو الأمر الذي يعيه المسؤولون اللبنانيون جيداً، ويعملون على تجنبه عبر سياسة «النأي بالنفس»، التي لن تجدي نفعاً، حين تفلت الأمور من عقالها.

السيناريو الليبي قد لا يكون مستبعداً في مرحلة لاحقة، وإن كان حلف الأطلسي يؤكد إلى اليوم أنه ليس في وارد التدخل. لكنه قد يحصل من دون هذا التدخل المباشر. أما التجربة اليمنية، التي تتبناها الجامعة العربية وتسعى إلى تطبيقها في سوريا، فيُخشى أن الأحداث قد سبقتها، مع انطلاق المعارك على نظاق واسع في البلاد.

وإن كان تكرار التجربة التونسية بات شبه مستحيل، يبقى النموذج المصري فرصة لتجنيب البلاد الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والاقتتال. نموذج قائم على حل يأتي من الجيش، وهو ما ينادي به كثيرون، من دون أن يكون مماثلاً تماماً لما يحدث في مصر، بل أقرب إلى تجربة أحمد سوار الذهب في السودان.

الوضع السوري مفتوح على سيناريوهات المنطقة، إلا أنه قد يكون قادراً على خلق سيناريو خاص لن يكون أقلّ كارثية.