دخلت عملية “غصن الزيتون” التي أطلقتها تركيا في العشرين من كانون الثاني/يناير الماضي في عفرين السورية شهرها الثاني دون حسم سريع كما كانت تأمل أنقرة. وبدت الأمور تتجه إلى مزيد من التعقيدات بعد دخول العديد من القوى الأخرى على الخط. لتصبح المعركة انعكاسا لصراع النفوذ بين مختلف القوى المتورطة في النزاع السوري، من نظام الأسد إلى روسيا والولايات المتحدة وحتى المقاتلين الأجانب في هذا الصف أو ذاك.
تعتبر تركيا ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية بمثابة امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا الذي تصنفه إرهابيا، على غرار ما تفعل دول غربية عدة. لذلك تنظر تركيا إلى هذه الوحدات على أنها تهديد لأمنها القومي.
وتقول أنقرة إن الهدف من الهجوم على شمال سوريا هو “تحرير هذه المنطقة عبر إزالة الإدارة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية فيها”.
ويقول ماكس هوفمان المحلل في “سنتر فور أميركان بروغرس” إن تركيا “مستاءة جدا” من توازن القوى القائم حاليا في شمال سوريا، والذي بات يميل كثيرا لصالح الأكراد والنظام السوري.
ولذلك قررت خوض تلك المعركة التي أطلقت عليها اسم “غضن الزيتون”، لإعادة رسم خريطة توازن القوى على حدودها الجنوبية.
ودخلت أنقرة تلك المعركة مدعومة بفصائل من الجيش السوري الحر يبلغ قوامها بين 5 آلاف و7 آلاف مقاتل، وفقا لمركز الدراسات “جسور” المقرب من المعارضة السورية.
واتخذت المعركة منعطفا ملفتا الثلاثاء مع دخول قوات النظام السوري على خط الجبهة إلى جانب الأكراد.
ويشكل وصول قوات موالية لدمشق إلى هذه المنطقة الكردية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي ولا تزال خارجة عن سيطرة النظام منذ العام 2012، تطورا مهما يزيد من تعقيدات النزاع الذي تعاني منه سوريا منذ نحو سبع سنوات.
وإلى جانب الدعم الذي يتلقاه الأكراد من الجيش النظامي السوري، يشارك المئات من المقاتلين الأجانب الأوروبيين في القتال لأسباب إيديولوجية، مثل الفرنسي أوليفيه لوكلانش المكنى بـ كاندال بريزالذي قتل في عفرين في 10 شباط/فبراير الماضي جراء قصف تركي. وكذلك تضم أسماء الأجانب المتورطين في النزاع جنسيات أوروبية أخرى مثل الهولندية والإسبانية.
ويعد الموقف الروسي حيال هذا الصراع الأكثر تناقضا، حيث أن موسكو هي الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، إلا أنها أعطت موافقة ضمنية على العملية العسكرية التركية في عفرين. وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبيل انطلاق عملية “غصن الزيتون” بإعطاء أوامر لعناصر الجيش الروسي في منطقة عفرين بالانسحاب، لتجنب إي تصعيد مع أنقرة.
ولكن انخراط الجيش السوري في القتال إلى جانب الأكراد، قد يحدث تغيرا في الموقف الروسي تجاه العملية العسكرية التركية.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيسي لوحدات حماية الشعب الكرية، إلا أنها لا تريد استفزاز أنقرة والدخول في صراع عسكري مباشر معها في عفرين. وبالرغم من أن واشنطن لم تستطع منع أنقرة من شن عملية عفرين، إلا أنها تسعى إلى الحد من الانتشار التركي في سوريا لضمان عدم توسيع العملية العسكرية لتشمل منبج، حيث تتواجد قوات أمريكية.
وبالرغم من اختلاف المواقف بين تركيا من جهة والقوى الدولية الفاعلة في النزاع السوري من جهة أخرى، إلا أن لا أحد يريد تصعيد النزاع، ويحاول الجميع الخروج من معركة عفرين المتشابكة بأقل الخسائر الممكنة.