- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

معركة «عض أصابع» بين جوبا والخرطوم: للحل أم الحرب؟

جمانة فرحات
لا شيء يسير على ما يرام بين السودان وجنوبه. فلا الشهور التي انقضت منذ الاستفتاء على انفصال  جنوب السودان بداية العام الماضي، ولا الشهور التي تخطت الست منذ اعلان الانفصال رسمياً، ولا الوساطات الأفريقية كانت قادرة على ردم الهوة بين الخرطوم وجوبا ودفعهما لايجاد حل للقضايا الخلافية العالقية بين البلدين والمترتبة عن الانفصال، ما أفسح في المجال أمام تصاعد لهجات الوعيد والتهديد وقرع طبول الحرب.
وبعد أن كان الأمر مقتصراً على  قياديي الصف الثاني، دخل الرئيسان السوداني عمر البشير ونظيره الجنوبي سيلفا كير ميارديت على الخط، محذرين من امكانية تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، ولكلٍ منهما مبرراته.
الرئيس السوداني اختصر الموقف قائلاً «السودان أقرب إلى الحرب مع دولة الجنوب». والمسؤولية من وجهة نظره، تقع على عاتق الجنوب لا الشمال لأنهم «رفضوا التوقيع ولن يوقعوا»، في حين أن بلاده “تبحث دوماً عن السلام عبر التفاوض ولن تلجأ للحرب الا اذا فرضت عليها كما حدث في منطقة ابيي، وولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان”.
على المقلب الآخر، اعاد الرئيس الجنوبي، سيلفا كير ميارديت خلط الأوراق. الحلول الجزئية غير مقبولة، والمطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى حل شامل لا يقتصر على مسألة النفط والرسوم المتوجب على الجنوب دفعها للشمال مقابل استخدام الموانىء الشمالية لتصدير النفط الجنوب، بل يتضمن كافة القضايا الخلافية، وبشكل خاص ترسيم الحدود ومصير منطقة ابيي، وإلاّ فالخيارات الأخرى جميعها مفتوحة.
واستعداد جوبا لـ«الخيارات الأخرى» كان واضحاً من خلال اتخاذها قراراً بوقف انتاج النفط وضخه عبر الأنابيب الشمالية، وفي ذلك رسالة واضحة أنها لن ترضخ تحت الضغط للشروط الشمالية، وخاصةً أنها ترى أن العوائد المالية التي يطلبها الشمال مقابل تصدير النفط عبر موانئه تعد بمثابة «سرقة ونهب» لثروات الجنوب.
ولأن النفط يعد المورد المالي الأول لكلا البلدين، فإن تأثيرات وقف ضخه وتصديره ستطال الشمال والجنوب سلباً، لكن من سيكون بمقدوره الانتظار لأطول فترة ممكنة وتحمل الضغط سيكون هو الفائز، ولكلٍ من البلدين حساباته التي تجعله يعتقد أنه سيخرج منتصراً.
الجنوب يحاجج أن ليس لديه ما يخسره إن استمر وقف ضخ النفط لأشهر. فالفقر يعم أرجاء البلاد وجزء كبير من الشعب يعتمد على المعونات المقدمة من الأمم المتحدة والمنظمات الاغاثية، وبالتالي فاحتمالات أن تشهد الدولة الوليدة «ثورة» تطيح برئيس البلاد وهو المتسلم زمام منصبه حديثاً أو تطيح الحكومة تبقى ضئيلة على عكس المخاطر التي يواجها نظام الانقاذ في الشمال.
ولأن الرئيس السوداني وأركان حكمه على دراية بهذه المخاطر، أيقنت حكومة الخرطوم أن فوزها  في معركة «عض الأصابع» التي قد بدأت يتطلب منها استراتجية جديدة تتخلى فيها عن السياسية المرنة التي انتهجتها منذ أكثر من عام بعدما كانت تأمل أن تؤدي مواقفها الايجابية من قبيل تسهيل حدوث الاستفتاء على حق تقرير مصير الجنوب ومن ثم الانفصال إلى حصول الشمال على مكافآت سياسية ومالية من قبل المجتمع الدولي. وبما أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث، فلا مانع من استراتيجة جديدة أو خطة «ب» كما خرج وزير الخارجية السوداني، علي كرتي ليؤكد.
وبغض النظر عن مدى قدرة الحكومة السودانية او رغبتها في السير بها إلى النهاية، تعكس الخطة «ب» التي لوح بها وزير الخارجية السودانية بما تتضمنه من أوراق سياسية وأمنية مبهمة حتى اللحظة، حالة القلق التي تعيشها الخرطوم نتيجة الضائقة الإقتصادية التي تمر بها البلاد. ويدرك نظام البشير أن تداعيات الأزمة قد تكون قاضية بالنسبة إليه، وخصوصاً في ظل وجود من يتحين الفرصة للانقضاض على كرسي السلطة؟
ولذلك فإن قرع طبول الحرب بكثرة من قبل نظام البشير لن يعود عليه بأي خسارة وقد ينطبق عليه المثل القائل «اذا ما كبرت ما بتصغر». فتسعير الأزمة والايحاء بأنها وصلت إلى طريق اللاعودة، سيدفع المجتمع الدولي، المعني الأول بالحفاظ على حد أدنى من الاستقرار بين الشمال والجنوب، للضغط على الشمال والجنوب للتوصل إلى تسوية تعيد ترتيب العلاقة بين الشمال والجنوب وتفك الحصار الاقتصادي عن الشمال، وإلاّ فإن نظام الانقاذ قد يكون مستعداً للذهاب للحرب لاعادة خلط الأوراق والاصطفافات في الشمال.