- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

في باريس فنانين ومبدعين عرب … أيضاً

خالد بريش* (خاص)

ليست كثيرة صالات عروض الفنون التشكيلية في العاصمة الفرنسية باريس التي تفتح ذراعيها وتستقبل أعمالا لفنانين ومبدعين عرب، فما بالك عندما يكون ذلك كدعوة شرف لهذا الفنان أو ذاك من أجل المشاركة في أحد المعارض الكبيرة. فقد كان هذا في حد ذاته وإلى وقت قريب من عاشر المستحيلات في عاصمة النور. ويعرف المطلعون على الأمور عن كسب، الأسباب والمسببات التي تقف وراء كل ذلك دون الخوض في تفاصيلها. تاركين ذلك للأيام وللظروف التي بدأت تتغير لصالح الجيل الجديد من المبدعين التشكيليين العرب. بل لصالح الفن الجيد ونوعيته أولا وأخيرا، بعيدا عن لونها وانتمائها العرقي.

ففي بداية الأسبوع الماضي أقيم في العاصمة الفرنسية باريس، معرض في صالة عرض منْوَار الشهيرة (Galerie MENOUAR) الواقعة بجانب متحفي بيكاسو وفيكتور هيغو. وقد ضم عذا المعرض لوحات لكبار الفنانين العالميين ولأشهر لوحاتهم المرسومة على الورق، من أمثال سلفادور دالي، وأرمان وسيزار وميرو وغيرهم قام بها فنانون مبدعون محترفون…

وإلى جانب ذلك تمت دعوة كل من النحاتة الجزائرية ليلى بوكورت التي شاركت بعدة أعمال نحت من البرونز كان من بينها تمثال برونزي لبطل الجزائر التاريخي الأمير عبد القادر الجزائري، والذي استحوذ على اهتمام خاص من الحضور. وكذلك الفنانة التشكيلية المغربية فاطمة جميح التي نالت في السابق جوائز عديدة في فرنسا، وتم تكريمها في أكثر من محفل متخصص، واستحوذت صورها على اهتمام خاص من قبل الصحافة والنقاد. وقد شاركت بعرض عدة أعمال عبارة صور فوتوغرافية.

وبالعود إلى أعمال الفنانة الجزائرية ليلى بوكورت البرونزية فإنها تعتبر ذات لمسات خاصة من حيث طريقة تعاملها مع البرونز كخامة، وأيضا من حيث اختيارها لمواضيعها، والطريقة التي تشكلها لتعبر فيها عن أفكارها. فكان من بين أعمالها المعروضة يد إنسان ممدودة عرضتها إلى جانب رأس برونزي صغير لرجل ذي ملامح أفريقة. وكأنها أرادت من خلال ذلك أن تقول بأنه بالرغم من المعاناة، والاستعمار، وما خلفه من مآس وويلات، فإن اليد ستبقى دائما ممدودة لصياغة وصناعة الغد بكل تفاصيله. إنها يد الآخر صديقا كان أو أخا أو قريبا أو إنسانا لا نعرفه، إنسان بشر مثلنا… وبلا شك نحن بحاجة إليه وليده من أجل البناء، ولكي يكون غد البشرية ومجتمعاتنا أفضل وأجمل.

أما الصور التي اختارت المبدعة فاطمة جميح المشاركة فيها فقد كانت إحداها صورة للجزء السفلي من المسلة الفرعونية المنتصبة في ساحة الكونكورد الباريسة. والتي أخذت خلال الليل. ليل كالذي يلف الإنسان والمجتمعات عموما في هذه المرحلة من الزمن. واختارت المبدعة لذلك زاوية خاصة جعلت فيها أحد التماثيل الكثيرة المحيطة بالمسلة وكأنه يقف أمام المسلة مباشرة يدير وجهه إليها لكي يقرأ ما كتب عليها ويحل رموزها وألغازها متلاعبة في ذلك على فكرة الليل والظلامية الفكرية التي يغرق البعض في لججها، وإدارة الظهر للعالم، والوجه للعلم والمعرفة، وقراءة دفاتر الماضي البعيد، وتفاصيل حروفه لكي نستخلص منه العبر، ولا نكرر بالتالي أخطاءنا وما أكثرها.

أفكار كثيرة ورائعة فعلا يقدمها الفنانون والمبدعون العرب ويعرضونها على الجمهور الفرنسي في الصالات الباريسية أخذت تشغل بال المهتمين في الفنون وتستحوذ انتباههم وأقلامهم. كثير منها يوحي بأن المستقبل بدأ يفتح أبوابه للأجيال القادمة من الفنانين التشكيليين العرب التي مما لا شك فيه سوف تجد الطريق أمامها معبدا، وأسهل مما قبل، ولن تعاني كما عانى جيل سبقها، وتتكبد المشاق لكي تفرض في نهاية المطاف نفسها على الساحة الفنية.