- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

خاشقجي وفرنسا

آلان غريش

أقل ما يمكن قوله هو أنّ رد الفعل الفرنسي لم يكن سريعاً على اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي خلال زيارته للقنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول الحالي. مر أكثر من أسبوع قبل أن يصدر عن وزارة الخارجية تصريح خجول: «فرنسا قلقة لاختفاء السيد جمال خاشقجي، الشخصية السعودية المعروفة والمحترمة. نتمنى تقديم توضيحات حول هذا الموضوع بأسرع وقت ممكن». بعد يومين، قال الناطق باسم الخارجية إن فرنسا «على اتصال بالسلطات السعودية حول قضية اختفاء السيد جمال خاشقجي».

تطلّب الأمر عشرة أيام وتراكم المعلومات التي سرّبتها السلطات التركية عن قتل الصحافي بطريقة مروعة وصدور ردود فعل أميركية حتى يخرج إيمانويل ماكرون أخيراً عن صمته. ففي مقابلة على هامش قمة الفرنكوفونية في يريفان، اعتبر ماكرون أنّ المعلومات المذكورة «خطيرة جداً»، وأنه ينتظر «الكشف عن الحقيقة بوضوح». هو أعلن أيضاً أنه سيتحادث مع الرئيس التركي ومع ولي العهد والملك السعودي «في الأيام القادمة». وسارعت وزارة الخارجية في اليوم نفسه إلى تكرار الكلام: «فرنسا تطالب بالكشف عن الحقائق مع مشاركة جميع من يستطيع المساهمة بذلك. هذه هي الرسالة التي نقلناها للسلطات السعودية. الاتهامات الموجهة ضدها تستدعي أن تتعامل بشفافية وأن تعطي إجابات شافية وتفصيلية». أخيراً، في الرابع عشر من هذا الشهر، أعرب وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا عن «مشاركتهم المخاوف التي عبّر عنها البعض، كالممثلة العليا للاتحاد الأوروبي السيدة فريدريكا موغريني والأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس» وتأكيدهم على «التعامل مع هذه القضية بجدية كاملة. من الضروري اجراء تحقيق ذي صدقية لمعرفة حقيقة ما جرى وكشف المسؤولين عن اختفاء جمال خاشقجي ومحاسبتهم». وأضاف الوزراء الثلاثة إنهم ينتظرون «من الحكومة السعودية أن تقدم إجابات كاملة وتفصيلية. لقد بلغنا هذه الرسالة مباشرة للسلطات السعودية». من البديهي أنّ تواصل تسرّب المعلومات عن مصير الصحافي جعل من الصعب على فرنسا وعلى الولايات المتحدة الاستمرار بالتزام الصمت.
ولكن، بالنسبة للرئيس الفرنسي، لا ينبغي بأي حال إعادة النظر بشبكة العلاقات التي تم نسجها مع السعودية ودول الخليج الأخرى. فمنذ وصوله إلى السلطة، اعتمد إيمانويل ماكرون استراتيجية نشطة حيالها، مع حرصه على عدم إظهار أفضلية للعلاقة مع إحداها على حساب الأخرى. وخلال الأزمة بين قطر وبعض الدول المجاورة لها، رفض ماكرون الانحياز لأي طرف ودعا إلى رفع العقوبات المفروضة على الأولى. الأولوية بنظر ماكرون وسابقيه هي للعلاقات الاقتصادية، وكذلك لتلك العسكرية والأمنية، مع هذه البلدان باسم «الحرب على الإرهاب». هذا يبرّر المزيد من مبيعات السلاح في منطقة أصبحت سوقاً أساسياً لصناعة السلاح الفرنسية، وخاصة لطائرات الميراج (شركة داسو). وتجاهل ماكرون الانتقادات الكثيرة لاستخدام أسلحة فرنسية في الحرب ضد اليمن ولم يتوقف تزويد السعودية بها.
التقى الرئيس الفرنسي مرات عدة القادة الخليجيين، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والأمير تميم، وطوّر علاقات شخصية معهم. وعلى الأغلب، فإن هذا الأمر هو الذي مكّنه من القيام بدور حيوي في عملية إطلاق رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري العام الماضي من دون أن يكون لذلك تأثير سلبي على علاقاته مع السعودية. في الأزمة الحالية، هو سيسعى قبل أي شئ آخر إلى الحد من الخسائر وإلى تجنّب القطيعة مع المملكة: الشركات الفرنسية، على العكس من تلك الأميركية، لن تقاطع «دافوس الصحراء» باستثناء بنك «BNP». هل سيؤدي اعتراف السعودية بموت خاشقجي عن طريق الخطأ، خلال تحقيق قام به عناصر «غير منضبطين» إلى نسيان أنه تعرّض لعملية فتل؟ هذا ما يتمناه ماكرون للعودة إلى «علاقات العمل» وكأن شيئاً لم يكن. لكن من غير المؤكد أن ينجح ذلك في ظل استنفار حقيقي لوسائل إعلام وأعضاء مجلس شيوخ كثر في الولايات المتحدة. مرة أخرى، ستحدد الخيارات على الضفة الأخرى من الأطلسي، ومن المستبعد أن تُسمع فرنسا للعالم صوتاً متميّزاً.