- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“سخرية القدر” الفلسطيني

فادي أبو سعدى

في كل مرة نفكر بملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أو الاقتصاد الوطني، أو الوضع المعقد على الأرض، يبرز لنا موضوع الاستيطان، وهو “الشرط” الرئيس الذي وضعته السلطة الفلسطينية كي تفكر بالعودة للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، لكن ما أن ندقق في تفاصيل هذا الأمر، نجد أننا نحن “المشكلة” في هذا الأمر وليس إسرائيل واحتلالها!

 الأحاديث دائماً تدور عن قرابة مائة وخمسون ألفاً من العمال الفلسطينيين هم من يعملون في مستوطنات الاحتلال فقط (وليس في إسرائيل)، وبالتحديد في قطاع البناء، لكن وبعملية حسابية بسيطة، فإن كل عامل فيهم يدفع 23 شيقلاً يومياً (6 دولارات تقريباً) كي يدخل للعمل في المستوطنة كل صباح، وهذا الرقم إذا ما ضرب في 150 ألف عامل فلسطيني فإن الناتج يكون 3 ملايين ونصف المليون شيقل (أي ما يقارب مليون دولار يومياً).

النتيجة: هي أننا نبني لهم مستوطناتهم، ونقدم لهم الدعم بمليون دولار يومياً، بينما على الجهة المقابلة، تطالب السلطة الفلسطينية بوقف الاستيطان، ومقاطعة العمل في المستوطنات، كشرط رئيس لاستئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.

إذاً، لو توقف هؤلاء العمال عن العمل في المستوطنات، فإن الاستيطان سيتوقف بطريقة أو بأخرى، “وهو شرط السلطة الفلسطينية”، خاصة وأن إسرائيل جربت كافة أنواع العمالة الوافدة “من الآسيويين وغيرهم” ولم تنجح، كما أن وقف العمالة الفلسطينية في المستوطنات، سيوقف دعمنا للاحتلال بمليون دولار يومياً، لكن المشكلة على ما يبدو تكمن في عدم تمكن السلطة من تدبر أمر هؤلاء العمال “مالياً”.

لكن الأمر بالنسبة لي وللكثير من الفلسطينيين لا يرتبط بالشق المالي وحسب، وإنما بالشق الوطني، وبالمبدأ، بحيث لا يمكن أن نقبل بأن ندعم احتلال يقتلنا بمليون دولار يومياً، ونبني بيوتهم على أرضنا، بينما نطالب بوقف ذلك حتى نتمكن من التفاوض معهم.

الفكرة ذاتها تنسحب للأسف الشديد على الكثير من الأمور الحياتية اليومية في فلسطين، فبينما تكوينا نار الأسعار والغلاء الفاحش، تجد أن كيلو الدجاج على سبيل المثال وليس الحصر، في إسرائيل بخمسة شواقل، بينما بأكثر من ضعفه في فلسطين، ثم يقال لك قاطع منتجات الاحتلال! فهل يعني ذلك أن أموت لأنني لا أملك دفع أثمان “الطعام” في فلسطين وهي متوفرة بثمن بخس عند الجيران، لأقول أنني أقاطع منتجات الاحتلال، بينما أنا نفس الفلسطيني الذي يبني مستوطناتهم ويدعمهم مالياً؟

 هذه “سخرية القدر” ماذا عساي أقول أكثر من ذلك، وإن كنا فعلاً نبحث عن “وطن وهوية” عن “التحرر والحرية” يجب أن نبحث عن “استراتيجية وطنية حقيقية” تخرجنا من هذه المآزق التي وضعنا بها، أو وضعنا أنفسنا بها، فالأمر سيان، لأن النتيجة واحدة للاحتلال ودولته، بينما نحن فقدنا حتى فكرة “مكانك سر” وبات حالنا “إلى الخلف در” وهذا معيب لنا، في زمن الربيع العربي حتى وإن كان هذا الربيع طويل وطريقه صعب.