- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

إنها الحرب الطبقيّة يا غبي

معمر عطوي

في حال صحّت المقولات التاريخية حول تسرب بعض سلالات الفينيقية الى لبنان، فإن التقائهم مع قوافل الأعراب القادمة من اليمن والصحراء يعزز أصل تركيبة النفاق في هذا البلد، كيف لا وقد اشتهر الفينيقيون بالتجارة والاحتيال ونهب السفن في عرض البحر، بينما الأعراب اشتهروا بالمكائد والغزو ضد بعضهم قبائل وأفخاذ حتى قال عنهم القرآن إنهم “أشد كفراً ونفاقاً”.

منذ تأسيس دولة لبنان الكبير حتى اليوم يعيش هذا البلد انقساماً سياسياً منسجماً مع اختلاف طائفي: فئة تتماهى مع القضايا العربية وأخرى تنأى بنفسها بحجة خصوصية لبنان وبأنه ليس عربياً “انما ذو وجه عربي”. الفئة الأولى ترى ضمانتها في دول عربية وإسلامية حتى لو كانت هذه الدول يحكمها الاستبداد ويسيطر عليها التخلف، وفئة لا ترى مشكلة في تسليم أوراقها للغرب الاستعماري الذي يستهدف وحدة العرب واستقرارهم تمهيداً للسيطرة على نفطهم وثرواتهم، اضافة الى حماية اسرائيل في المنطقة.

ثمة اصطفاف سياسي لبناني يشكل امتداداً لاصطفاف اقليمي دولي منذ ما قبل الاستقلال. هذا الاصطفاف مر بأشد مراحله سوداوية حين أسلم بعض اللبنانيين أرواحهم للصهاينة بذريعة حماية جماعة معينة من خطر وهمي تمثله جماعة أخرى. خطر لم يكن سوى مسوغ لممارسات عنصرية أدت الى تدمير الهيكل على رؤوس الجميع.

مرة أخرى تصدح الاسطوانة بنشيد للحزن والموت، أما العازفون فهم من كلا الفريقين المتنافسين 8 و14 آذار، ومن جميع الطوائف والجماعات. القاسم المشترك بينهم هو الجشع والطمع وتحقيق الأهداف السياسية حتى ولو على حساب كرامة المواطن ولقمة عيشه ورفاهيته المفقودة أصلاً.

الكل يقف ملوحاً بإصبعه دفاعاً عن الدولة وعن مؤسساتها، بينما هو نفسه الذي يدمّر الدولة ومؤسساتها تارة باسم حفط التوازن الطائفي وطوراً بمسوّغ ميثاقية ووفاقية السلطة.

السطو على أملاك الدولة من المشاعات في الآراضي الى الأملاك البحرية وصولاً الى خزينة الدولة، قاسم مشترك بين معظم رجال السياسة في لبنان. وحين يطبّق القانون لا يطبق على أرباب “سوليدير” ولا على أرباب المرافئ والمنتجعات من سياسيين ومجرمي حرب وفاسدين، انما يُطبّق على مواطن فقير بالكاد يستطيع ان يوفر بدل فاتورة الكهرباء او رسم ميكانيك سيارته او الضرائب المتوجبة عليه في “جنة” فؤاد السنيورة، التي واصل اسلافه، مع انهم من فصيل معاكس سياسياً، نفس سياسته حتى الآن في ظلم المواطن ونهب حقوقه بحجة ملء الخزينة وتسديد الديون التي أصبحت بعشرات المليارات نتيجة سياسة النيوليبرالية غير المنتجة والفساد والرشاوى التي أصبحت في زمن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري تصب في حسابات الرؤساء الثلاثة والوزراء وكبار المسؤولين بشكل منتظم. 

كل طرف يبتسم امام الكاميرات حين ينتقد الطرف الآخر في عملية استغباء واضحة للبشر وكأن اللبنانيين لم يتعلموا بعد أن هؤلاء الجزارين الذين يحكمونهم انما يتفقون كأغنياء ضد الفقراء. ألم تتعلم أيها اللبناني من أجدادك الفينيقيين والأعراب أن الاحتيال والخداع في دم هذه الطبقة المؤلفة من سليلي اقطاع وحديثي ثراء ومجرمي حرب ومنتفعين على ابواب السلاطين الجدد والسفارات الأجنبية على انواعها؟ هي ليست حرباً على خلافة علي بن ابي طالب أو عثمان بن عفان، ولا هي معركة من أجل كرامتك وتحقيق رفاهيتك. إنها الحرب الطبقية يا غبي.