- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

يحدث في لبنان

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
في ظل انكفاء النفوذ السوري عن الساحة السياسية اللبنانية، والتحولات الكبرى التي تستعد المنطقة العربية لخوضها، يعيش لبنان مرحلة مخاض سياسي يمكن أن يقود إلى تغيير جذري في المعادلات السياسية التي يقوم عليها بلد الأرز منذ نهاية الحرب الأهلية عام ١٩٩٠.
يكفي الالتفات إلى تيارات القوى المتواجهة في هذه المرحلة لرسم التوجه العام لهذه التغيرات. نجد في المعارضة تيار المستقبل، وعلى رأسه الزعيم السني سعد الحريري، ومعه حليفه المسيحي برأسيه، القوات اللبنانية والكتائب، يقابله ما كان يسمى قبل اسبوع خلى “الأكثرية»، المكونة من حزب الله ومعه حليفه المسيحي التيار العوني، وبين التيارين يبرز تيار ثالث يتشكل حول رئيس الوزراء السني وحليفه «الموضوعي» رئيس الجمهورية المسيحي ميشال سليمان. ترسم هذه التيارات الثلاثة الرقعة التي سوف تنزلق عليها «بيضتا قبان» السياسة اللبنانية، الدرزي وليد جنبلاط والشيعي نبيه بري، والتي سوف يقوم عليها مستقبل لبنان.
من أولى ملامح «هذا المستقبل الباهر» هو أن تلوين هذه الرقعة هو طائفي محض، لا حياء في إبرازه والمباهاة به. لقد نجح السياسيون في «تدجين وتطويع» المواطن اللبناني الذي «ما زال يعتبر نفسه ذكياً وحربوقاً»، بحيث بلع ترياق “سم” العلمانية، وبات لا يخجل من الحديث الطائفي والمذهبي الضيق.
اعتبر البعض أن نتيجة الحرب اللبنانية جاءت باتفاق الطائف لتضع حداً لأي توجه «إنعزالي طائفي» يمكن أن يجر لبنان مرة ثانية إلى حرب أهلية. ولكن أيضاً كان اتفاق الطائف يشير إلى ضرورة التحضير للخروج من دهاليز الطائفية والمذهبية والاستعداد لدخول حيز الديموقراطية العلمانية التي تحمي الطوائف، شرط أن تظل الطائفية في إطار الخصوصيات الشخصية، ما يسمح بإلغائها سياسياً مع مرور الزمن.
اللبناني ذكي وحربوق، ولكن تبين أن زعماءه الجدد والمتجددين لا يقلوا عنه ذكاء وحربقة، لا بل يحملون من الدهاء ما مكنهم من استيعاب هذه «التوجهات المضرة بمصالحهم» وترويض التيارات السياسية وتأجيج الغرائز المذهبية والطائفية بشكل عاد اللبناني إلى «حيوانيته الطائفية»، يؤيد تأييداً أعمى زعماء يدّعون الدفاع عنه بدفاعهم عن طائفته.
لا حكومة في لبنان. ولا يخجل المسؤولون من كشف أسباب الخلاف: اختيار موظفي الدولة يجب أن يخضع لـ «بازار الطائفية». من يختار موظف فئة أولى مسيحي، رئيس الجمهورية المسيحي أم زعيم تيار المسيحية في الحكومة القائمة؟.
يحدث هذا اليوم في لبنان.
حدث بارز في مسار التقدم في القرن الحادي والعشرين ولكنه لا يحرك أي شعور بالخجل لدى اللبناني الذكي والحربوق. لا بل أن البعض يتباهى بأن الزعيم يدافع عن حقوق الطائفة والملة، معتبراً أنه يدافع عنه وعن رزقه وعن رزق أولاده. لا يدري هذا اللبناني أنه «عملة تفاوض» على مصالح تتجاوز رزقه ومستقبل أولاده.
اللبناني الذي يبصر، يدرك هذا فيستعد للسفر. يحضر الحقيبة ويلقي نظرة خلفه إلى لبنان الأخضر الملون بطائفية بغيضة. وبخلاف ما يقال، فإن الزعماء الطائفيين يسعدون بخروج من يكشف لعبتهم البغيضة، ويفرحون ببقاء الأذكياء فيمدحون حربقتهم.