- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

تغيير كبير في الشرق الأوسط: فك ارتباط الدفاع بين أميركا والسعودية

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

هل قرأ محمد بن سلمان التاريخ وتجارب الأمم؟ هل يدرك بعد عدد من السنوات في الحكم أن ما يحصل بين الدول يختلف جداً عما يمكن يحصل في داخل دولة خصوصا مثل المملكة السعودية ونظامها الصارم؟
لا يمكن قراءة فصل واحد من التاريخ… والاكتفاء به…

كتب التاريخ حملت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وصف للقاء بين فرانكلين روزفلت الرئيس الأميركي المنتصر والملك عبد العزيز آل سعود الجالس على أكبر مخزون للنفط. لقاء حمل «عقد اتفاق»: حماية المملكة مقابل تسهيل تدفق النفط في العالم.
كان هذا الاتفاق أول مدماك في بناء صرح قوة المملكة الوهابية المالية، ورويداً رويدا تثبيت المدماك الثاني الذي سمح بهيمنتها الإيديولوجية بعد المؤتمر الإسلامي الأول عام ١٩٨٠.

إن الهجوم الإيراني (وإن كان بأيد حوثية أو أيا كان الفاعل جيوسياسياً هو مدعومٌ من إيران) ولكنه مؤشر على تغيير استراتيجي كبير في الشرق الأوسط أي تجاوز الخطوط الحمر التي أساسها هذا الاتفاق التاريخي: النفط وهنا جاء قصف أرامكو ليستهدف هذا الاتفاق (للتذكير فقط: تعطل نصف الانتاج السعودي أي ٥ في النئة من التدفق النفط في العالم!).

كانت الأفكار السائدة في فضاء الاستراتيجيات العالمية أن ضرب النفط في السعودية يعني «أوتوماتيكيا» ردة فعل عنيفة عسكرية من قبل الولايات المتحدة، وشكلت هذه الأفكار ركنية السياسة السعودية على مد عقود طويلة.

ولكن هل حصل رد الفعل هذا؟

صحيح أن الحديث يدور حول تحديد المسؤوليات وحول إحداثيات انطلاق ١٤ طائرة مسيرة و٤ صواريخ كروز وصاروخين سقطا في الصحراء. ولكن هل ما زالت الظروف الموضوعية نفسها التي تحرك الآلة العسكرية الأميركية بشكل أوتوماتيكي حاضرة؟ ألم يحصل تغيير في قاعدة الاستراتيجية الأميركية؟
حصل تغيير كبير:

١) تخلى دونالد ترامب عن جون بولتون الذي كان يدفع نحو مهاجمة إيران وسوريا وكوريا، وهذا مؤشر على أن «الاستابلشيمنت» الأميركي خصوصاً العسكري لا يفكر بمغامرة عسكرية. أي أن فلسفة الرئيس السابق باراك أوباما قد ثبتت ضرورة الانكفاء على الذات والمحاربة فقط عندما تكون أميركا بخطر لذا فهو خلال ولايته أناب تركيا في سوريا ورفض قصف دمشق ووقع الاتفاق النووي وانفتح اقتصادياً على الصين والهند وجنوب شرق آسيا. ترامب يسعى إلى نفس الهدف ولكن بطريقته الخاصة.

٢) كما أن الدفاع عن السعودية «اليوم» ليس له أي صدى طيب في الولايات المتحدة يكفي ما قالته نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي ما أن سمعت إعلان “البنتاغون” إرسال قوات ومعدات إضافية إلى كل من المملكة العربية السعودية والإماراتو فهي نشرت بياناً أمس السبت: انتقدت فيه هذا التوجه ووصفتها بأنها« »المحاولة الأخيرة المثيرة للغضب من قبل إدارة ترامب للالتفاف على إرادة الكونغرس من الحزبين». وتابعت بأن “الأمريكيين تعبوا من الحرب، وليس لديهم مصلحة في الدخول في صراع آخر في الشرق الأوسط» واستطردت بشكل صريح ولأول مرة قائلة «خاصة إن كان بالنيابة عن السعودية». هذه هي أجواء مجلس النواب وفي الدول الديموقراطية تكون هذه الأجواء مرآة الرأي العام… ونحن على أبواب انتخابات رئاسية فهل يغمر ترامب بحرب بعيدة؟

٣) ولكن هذا لا يمنع من «بيع أسلحة» وقد اضطر وزير الدفاع مارك اسبر إلى التوضيح بأن القوات والمعدات المرسلة “ذات طبيعة دفاعية وتركز بالأساس على الدفاع الجوي والصاروخي ».

٤) مع التأكيد من أن الهدف هو «لا حرب»، فاستند إلى تصريح ترامب بالإشارة إلى استراتيجية الرئيس «كما قال الرئيس (ترامب) بوضوح، الولايات المتحدة الأمريكية لا تسعى لصراع مع إيران».

هذه التغيرات مرتبطة بنفس الأسس التي أهبت للعقد الذي جمع روزفلت بالملك عبد العزيز: النفط.
نعم الولايات المتحدة باتت من أكبر مصدري النفط.

هنا تبرز ضرورة أن تهتم السعودية بتقوية مجتمعها (وهو ما بدا أن محمد بن سلمان يبحث فيه) ولكن من دون مغامرات خارجية، وكذلك الاعتماد على النفس في الدفاع عن المملكة وذلك بتأسيس جيش «خارج الصالات المبردة للضباط» (وهي نكتة يتداولها الخبراء الأجانب) والكف عن شراء أسلحة غير مفيدة (كسباً للكومسيونات) وبناء استراتيجية دفاعية صحيحة مبنية على تأهيل جيش وطني لا يعتمد على الخارج.

علمنا التاريخ (وكذلك فن الجيدو) بأنه يمكن استيعاب الضربات لبناء دفاع جدي وجدير.

لقد نجحت إيران باختيار التوقيت المناسب لضرب أرامكو على السعودية الآن أن تعرف اختيار الوقت المناسب دون خجل والانسحاب من اليمن والانكفاء على الذات لتقوية المملكة وضخ أموال أرامكو في برامج التعليم ونهضة البلاد.