- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أخطاء الأكراد

بسّام الطيارة
بادئ ذي بدء، إن كاتب هذه السطور هو مع حق تقرير المصير للأكراد في سوريا والعراق وتركيا. إن هيمنة الأتنية العربية على أتنية شعب من ٢٥ مليون نسمة لا يمكن أن تدوم، من هنا الخطأ التاريخي المستمر للسياسات العربية. فعوضاً من أن يكسب العرب حليفاً تاريخياً تعايش مع مكوناته عصور طويلة، معاشرة يومية تركت في الذاكرة التاريخية للشعبين معالم ثابتة ليس أبرزها إلا صلاح الدين الأيوبي.
ولكن اليوم نسلط الأضواء على أخطاء الأكراد السياسية تاريخياً والاستراتيجية حالياً، وهي أخطاء تكررت منذ مطلع القرن الماضي، ولا يبررها الموقف العربي المعادي لتحرر شعبها بل تزيد من تعميق الخلاف مع المكون العربي.
١- التحالفات
لا يمكن فقط الاكتفاء بمقولة «لا يجب الاعتماد على الآخرين» لنيل الاستقلال إذ أن الاعتماد على قوى خارجية رافق دائماً حركات التحرر عبر التاريخ. وينجح التحالف حين تلتقي أهداف الفريقين فتكون المكاسب مشتركة تحرر من جهة ومكاسب استراتيجية للفريق «الآخر». هنا نطرح السؤال على القادة الأكراد هل كانت تحالفاتهم في السنوات العشرين الأخيرة (في سوريا وأيضاً في العراق) تذهب في هذا الاتجاه الصحيح؟ أم أنها ساهمت وتساهم بزيادة الريبة العربية في محيطها (نذكر باستفتاء العراق من دون تفاوض مع بغداد ووضع اليد على كركوك والمناطق المتنازع عليها بدعم من قوى خارجية). أم انفتاح أكراد سوريا على كافة الجهات الخارجية وبشكل خاص اسرائيل وما يعنيه هذا من استفزاز للمكون السوري؟
٢- الدور التركي
تناسى الأكراد ماذا تمثل تركيا من ضلع ثابت للحلف الأطلسي، واعتبروا أن التصريحات الصحيفة والنبرة العالية للمسؤؤلين الأتراك والغربيين هي أساس استراتيجي يمكن البناء عليه. وهنا الخطأ القاتل. وهو خطأ يقع فيه أيضاً الرأي العام الغربي (آنظر صوب المظاهرات اليومية المنددة بالهجوم التركي) وأساسه التطبيل الإعلامي الغربي البعيد عن واقع حقيقة التحالف الأطلسي (كذلك اليوم تهب الجموع العربية المؤيدة للنظام السوري والمعارضة له تهاجم تركيا – ولمكن هذه ثابتة عربية قصر نظر استراتيجي عامودي من أعلى هرم السلطات العربية إلى طبقات الشعب اللاهثة وراء الأنباء اليومية والمتأثرة عاطفية بها متناسية ما كانت عليه البارحة).
الحق ليس على ترامب بغض النظر عن تصريحاته الغوغائية المتشتتة. فلا هذه التصريحات ولا تصريحات العواصم الغربية يمكن أن تغير من موقف تركيا وتردعها. السبب؟ هو أنها تشكل ثاني قوة ضاربة في الحلف الأطلسي وتحمي ضلعه الجنوبي.
في تركيا ١٦ قاعدة عسكرية للحلف الأطلسي بينها قاعدة تحمي صواريخ نووية، الجيش التركي يعد ٧٠٠ ألف مقاتل مجهز بأفضل الأسلحة الغربية. يدرك القادة الأتراك أن «حلفاءهم» لايمكن أن يتخلوا عنهم «سوى لفظيا». أفضل مثال هو رغبة أردوغان بشراء صواريخ إس إس ٤٠٠ الروسية، فرغم كل التهديدات فقد تم تسليم الصواريخ ويبدأ العمل بها في مطلع السنة القادمة. رغم محاولات واشنطن ردع تركيا عن بناء صناعة عسكرية فهي اليوم على باب دخول نادي مصدري الأسلحة (طائرات مسيرة مصفحات وغدا طائرات مقاتلة).
ولكن ليست قوة تركيا هي الرادع ولكن كما ذكرنا موقعها في الحلف الأطلسي فإن ٩٠٠ ضابط تركي يعملون في كافة مراتب الحلف العسكري الأطلسي (ثاني أكبر مشاركة بعد الأميركيين) وفي السنة المقبلة يتسلم ضابط تركي قيادة قوة التدخل السريع مع جهاز أركانه الأتراك. لهذا ستبقى الاحتجاجات ضمن مجال «الصوتيات» حتى يصل الجيش إلى حدود متفق عليها لدفع اللاجئين السوريين وإقامة منطقة عازلة بين أكراد سوريا وأكراد تركيا.
فهل أخذ الأكراد بعين الاعتبار هذه العوامل الثابتة ؟ أمن أنهم وقعوا في فخ التطبيل الإعلامي الغربية ونداءات المنظمات الإنسانية فظنوا أنهم «وصلوا»؟

المقالة المقبلة «أخطاء العرب مع الأكراد»