- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد

د،سهيل الزين
تاريخ الأوبئة يعيد نفسه التي يستحيل على من تقمصها تخليصها من عنصرية لغتها وغلو بعض من ادعى محاربتها بتغليب سببها لمكان ما او لجنس ما او لطقس ما…وإذا كانت القرون الوسطى والطاعون الأسود نموذجها الأوروبي وترافقت مع أفلام دراغولا فقد تناسينا ما أصاب منها الشرق كما في كتاب “الخطط المقريزيّة”، إشارة إلى كلمة خطة التي تعني المكان الذي يسكنه الإنسان ونسبة الى المقريزي الذي كتبه باسم “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار”…وقبله ابن الاثير في أحوال الامارات العباسية وما حل بالموصل وما نسب الى الموالي الاتراك في جلبه…وكتب ابن اياس ” عقود الجمان في وقائع الازمان” وكتابا أخر سماه ” بدائع الزهور في وقائع الدهور” واصفا اوباء مرحلة المماليك وفتح ” البيمارستانات” وهي كلمة إيرانية لمعالجة المصابين بالوباء ولكن من استرجع هذه الكتب اليوم يركز منها لغرض ما اكثر على قدوم الاتراك لتحرير مصر من حكم المماليك ويكرر ما يعزوه سببا لانتشار الطاعون ولا سيما ” حسب قوله كثرة الزنا واللواط وشرب الخمر وجور المماليك في حق الناس”…تتعرف مثلا على ما كتبه ابن “الدكدكجي” أو كاتب أخر اسمه “التنبكتي” وهو افضلهم في سرد الوقائع ولا سيما استرجاع اهمية كتاب (تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد) لابن خاتمة الأندلسي… ويقول عن أنَّ انتقال الطاعون يكون في العــدوى: “… وجدتُ بعد طول معاناة أنَّ المرء إذا ما لامس مريضًا أصابه الداء وظهرت عليه علاماته، فإن نزف الأول دمًا نزف الآخر، وإن ظهر في الأول حرارة ظهر في الآخر ، وقد يتبعها تشنُّجٌ وبردٌ في الأطراف، وقيءٌ مراريٌّ سمج متواتر، وعطش، واختلاف سَحْج على ألوان، أو ثقل في الصدر وضيق في التنفس، أو وجع في الرأس، أو سَدَر ودوار، وغثيان، وانطلاق فضول سمجة، وقد تتداخل بعض هذه الأعراض وهذا سبيل انتقاله من المريض الثاني إلى الثالث”…أما ابن الوردي معشوق السوريين فيخلط معه تفاصيل أخرى ويعود الى المماليك والجورالمقرون بأعراض الطاعون ويطل أخر لينصح بعدم التمثل بالشاعر ابي النواس حين قال: “مرِضَ الحبيبُ فعُدْتُهُ فمرِضْتُ مِن خوفي عليهِ فأتى الحبيبُ يزورني فبَرِئْتُ مِن نَظرِي إليهِ”…
ويدخل اهل الاحاديث غير الطبية الى الاحكام الشرعية لاستنطاقها عبر لآ عدوى ولا طيرة لتوفيقهما ثم ينشد احدهم “قد قلتُ للطاعون وهو بغزّةٍ قد جال من قطيا إلى بيروتِ أخليتَ أرضَ الشام من سكّانها وحكمتَ يا طاعون بالطاغوت”…وحمل اهل الرويات تلك الملازمة في الاحداث حتى بعد الحرب الأولى والثانية في حين كان الطب العربي يتراجع ويستبدل بفكر الرومانسية القومية التي تستعيد حزازات الموالي والاشراف وصفات الفساد الملازمة للحلل والنحل…هذا المخزون الثقافي يخرج بما لا وصفة له بمقياس التاريخ الذي يستوي الى التكرار فليس للشرق من قرون وسطى ثمة تواصل هاجسه الرئيس هو وباء الجاهلية لدرئها بدواء الدين ومذاهب رد العدوى …