- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“ليليت” للميا صفي الدين: فن شرقي لا استشراقي

بسّام الطيارة

شهدت قاعة رفيق الحريري في معهد العالم العربي في باريس حفلا استثنائياً احيته الفنانة لميا صفي الدين، حيث قدمت برنامجاً حافلاً لثمانية مقطوعات راقصة تتحدث عن المرأة، عن ليلى الأسطورة، عن «ليليت».
وحيدة على المسرح. مع موسيقى متعددة ومتنوعة من ربيع أبو خليل إلى جاك بريل، مروراً بفيروز والشاب خالد وعابد عازارية ومارسيل خليفة وصولاً إلى أم كلثوم. الاسطورة تلالأت وراء الإيقاع ومن خلال الخطوات الخفيفة على خشبة المسرح: نساء متعددات مررن بين أغشية شفافة لترسم صورة المرأة ككل ممثلة للأنوثة.
من لا يعرف لميا؟ هذه «المعلمة» التي تعبئ المسرح بوجودها وحيدة تلاعب الموسيقى بين المغرب ولبنان وأفريقيا الاغتراب ووصلة من البرازيل، صقلت موهبتها قبل أن تحل في مدينة النور باريس لتضع قواعد رقص شرقي حديث لامع.
رائدة شرقية تحمل سلة على رأسها. امرأة شرقية، رداؤها يدل على دلالها. شرقية أتت من الأندلس بالكثير من ذكريات الموسيقى التي ما زالت تحرك حواس العرب. امرأة من الشرق تبتعد نحو الشرق البعيد لتجانب الهند بخفة حركتها. الجسد عربي في تمايله، كل حركاتها الفنية في هذا العرض كما في حياتها المهنية مقدمة هدية للمرأة.
الديكور تجريدي يلامس الزخرفة في القصور الإسلامية ليذكر بالتصوف، تلف لميا أو ليليت لتأخذ بألباب المشاهدين الذين تدور أنظارهم وراء تبدل الألوان محتارين بين اللحاق بحرائر اللباس المتطاير وراء رقصة الدراويش أم بالألوان المنتشرة فوق ديكور تحركه الغلالة الخفيفة.
«هز البطن» غير موجود إلا في مخيلة الحاضرين. حركة لميا تذكر من بعيد جداً بأنها شرقية ولكنها تسمر المشاهد في إطار شرقي لا غبار عليه: إنه الرقص الشرقي الحديث الذي وضعت أصوله ورسمت خيوطه وعلمت أطرافه. إنها معلمة من نوع جديد تكتب قصة فن متجدد يومياً. فالاستشراق الذي ارتبط به «هز البطن» هو صناعة غربية تولدت في العقل الغربي وعاشت وترعرعت فيه وفاضت على مخيلة أجيال وأجيال غربية. أما الرقص الذي تمارسه لميا فهو فن شرقي لا استشراقي.
قدمت لميا حفلتين في ١١ و١٢ شباط/ فبراير. قدمتهما للمشاهدين وقدمت ريعهما لقسم حقوق المرأة في منظمة هيومن رايتس وتش، نموذج من «شمولية النشاط الثقافي والفني والإنساني» هذه الشمولية التي فرضتها «عولمة» نشطة في هذا العالم القرية. نجاح الحفلة كان نجاحاً للميا صفي الدين اللبنانية العربية المؤسسة لفن منتج على العالم. حضور المشاهدين الذين عبأوا القاعة يومين (وهذا سبب تمديد العرض) كان لمشاهدة لميا الفنانة. وجود منظمة “هيومن رايتس وتش” كان بفضل كرم ورغبة لميا بتسليط الضوء على دور المرأة العربية في الربيع العربي، كما قالت في مؤتمر سبق الحفل بأيام. هي تقصد كل مرأة عربية وليس فقط المرأة المحجبة التي ترى فقط فيها المنظمات الإنسانية «الغربية» نموذجاً عربياً. أسئلة الصحافيين الذين حضروا بقوة صباحاً، رغم البرد القارس، كان ليروا ما إذا كانت منظمة هيومن رايتس وتش ترى أيضاً نساء سافرات يتعرضن للقمع في بلاد مثل فلسطين. شق آخر من «حياة المرأة العربية» سلط عليه الضوء مؤتمر لميا صفي الدين: هل المرأة العربية مضطهدة فقط في الدول التي تعيش «ربيعاً عربياً دامياً» أم علينا الالتفات أيضاً إلى دول فيها رخاء وفيها وفرة ومال تعيش فيها المرأة تحت ضغط العادات العتيقة والتي لا يمكنها مشاهد استعراض فني كاستعراض «ليليت» رغم أنه يتحدث عنها وليس فقط لأنها لا تستطيع قيادة سيارة للتوجه إلى المسرح بل لأن لميا وثيابها الزاهرة بالألوان لن تستطيع الحضور إليها.
هنا تكمن قوة وأهمية «تقديم ريع هذا الحفل» لمنظمة هيومن رايتس وتش، فهذا قد يدفع المنظمة إلى أن تنظر أيضاً نحو دول لا يصدر من نسائها تذمر. إنها المرأة كما في عهد ليليت أو ليلى.

الصورة لعبد سليم قاروط