- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الزواج المدني يعود إلى الواجهة من الباب البيروتي

جمال قرا*
الأصوات الحامية لرجال الدين التي بدأت تصدح بالتهديد والوعيد بوجه إقرار مشروع قانون يسمح بالزواج المدني في لبنان، كان قد بدأت سابقاً في عهد الياس الهراوي ورفيق الحريري، وجرى طيّه بعد فترة على الرغم مما أثاره حينها من سجالات تهديدات. فالهراوي والحريري وافقا عليه، بالإضافة إلى المرجعية الشرعية الشيعية محمد حسين فضل الله الذي كتب خطاباً مفصّلاً في هذا الموضوع مفنّداً رأيه الشرعي بجواز عقد الزواج المدني في لبنان، وأنه لا يتعارض مع الشريعة. أما المرجعية الرسمية العليا للطائفتين السنية والمسيحية، فقد رفضتا بالمطلق حينها هذا المشروع، حيث بدأت الاتصالات الحثيثة بين المفتي والبطريرك لعدم إقراره. حينها، طُوي الموضوع ووُضع في الأدراج.
بالعودة إلى اليوم، وما تخللته خطب يوم الجمعة الفائت من نبرة تهديدية عالية تجاه هذا المشروع، فيمكن إيراد بعض الملاحظات: لقد جرى هجوم تهديدي مباشر وتخوين ديني لكل من النواب الثلاثة المنتخبين عن الطائفة السنية تبعاً للقانون الطائفي المعمول به، إبراهيم منيمنة، وضاح الصادق وحليمة قعقور. لماذا افتتاح خطب أول يوم جمعة بعد الانتخابات بإثارة هذا الموضوع، الذي لم يأت هؤلاء إلى المجلس لإقراره وليس على جدول أولوياتهم في الوقت التي ترزح فيه البلاد والعباد تحت وطأة الجوع والعوز والموت. هذا الانهيار يا أصحاب العمامات الأجلاء، أنتم تتحملون جزءاً كبيراً منه ومن إفقار رعاياكم، ماذا قدمتم لكل هؤلاء البشر، هل وقفتم بوجه العصابة الحاكمة التي تسبّبت بكل هذا؟ فالجزء السني من هذه العصابة، كان يحصل في كل مرة على مباركة دار الإفتاء، مما يعني أنكم موافقون على سلوكها وسياساتها، إذ لم يُرفع صوت أي منكم يدين سياسات المبارَكين من السياسيين السنة.
الملاحظة الثانية، هو التلطّي وراء مشروع قانون الزواج المدني من أجل رفض نيابة وتمثيل هؤلاء النواب الثلاثة، لسبب بسيط أنهم لم يذهبوا إلى دار الإفتاء للحصول على المباركة. وكأن الشرط الأساسي للنيابة التي هي فعل سياسي، المرور من تحت قبة دار الإفتاء.
الملاحظة الثالثة، هو أن هؤلاء النواب فازوا بشرعية الشعب، وفاز إبراهيم منيمنة بأعلى أصوات تفضيلية في العاصمة، مما يدل على أن قرار أهل بيروت ليس في دار الإفتاء.
الملاحظة الرابعة، يبدو أن همّ دار الإفتاء ليس موضوع مشروع الزواج المدني (المشرَّع أصلاً في الدولة الإسلامية التركية)، بل خروج ممثّلي الطائفة من قبضتها وسيطرتها وهذه سابقة خطيرة بالنسبة إليها، إذ تكسر عرف وقانون ضرورة المرور إلى الدولة من خلالها.
هؤلاء النواب قالوا وتصرفوا على أنهم ممثلين لكل الشعب اللبناني وليس لطائفة واحدة، وكونهم مواطنين وليسوا أعضاء في طائفة. فقليل من التروّي يا أصحاب العمامات، واقبلوا التنوّع في الطائفة وخارجها، ولا يفكرن أحد بإلغاء الآخر. دوركم ديني وأخلاقي، وليس سياسي وتشريعي.
كل الدعم لهؤلاء النواب وخصوصاً إبراهيم منيمنة بوجه الحملات المغرضة ضدهم.
نعم للزواج المدني من ضمن سلة تغيير قوانين الأحوال الشخصية ومن ضمن إصلاحات عميقة في السياسة والاقتصاد.
أنا ابنة بيروت، كنت قد عقدت مع ابن الجبل زواجنا المدني في العام 1979، فلا أحد يستطيع إلغاءنا أو يمنع عنا انتماءنا البيروتي أو الجبلي.
بيروت ليس لكم ولا لأحد، لبيروت الجميلة المتنوعة ولكل أهلها ألف تحية.
* مدونة مقيمة في بيروت