- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أبو جورج الخياط

ليلى عساف

شيء لا أكاد أدركه جعل طراوه أعشاب البحر في قاع أرواحهم. الذين عرفتهم فيما مضى. طريقه عيشهم. حركاتهم. كلماتهم. أمثالهم وحكمتهم. توحدوا في حب مدينتهم التي ظلت تكرج كتفاحه حمراء أمام عيونهم.. كانهم كأئنات تتصاعد من أبخره بحر يلف مدينه تغرد بأجنحتها للأتين اليها. ليرحلوا في جوفها كضياء.. قامات أهلها التي لا تكتسي الا بظل قناطرها المنطبقه على أزمنه عريقه غابره..

«لم اصنع لهم المستحيل لكني بذلت جهودي لكي أراهم أحسن مني» هذا ما قاله أبو علي لابي جورج وهما جالسان وسط دكان يشبه بئر.

ما أكثر الابر التي تشابكت خيوطها كعناكب عششت في جدار كلسه يعكس بياض قلبه.

يظل الموت مثل الطلسم وتظل ماكينه الخياطه قابعه في مكانها. تساقطت عنها غرز كثيره لتخيط ثوبا أو ترقع ثقبا في جيب بنطال. ماكينه عيشه من ماركه سنجر الاصليه يحركها بقدمه اليمنى.. يدوس على الدولاب وتجري الابره في لهفتها لقطعه قماش ستغدو رداء مريحا لصاحبه.
كأنه أسلم حياته لمقص وابره وخيوط تجرنا في سلسلتها كاحلامنا المائه ألف.

أبو جورج الخياط غائب لكنه يظل عالقا في زمن فائت. ربما نظراته التي التي لاحقت ابره صلبه تحولت الى شظايا تحتاج من يصفيها من هواء ينام عند مدخل الزاروب. …حيث يعلو صرير دولاب ماكينه تئن أحيانا ولا تتعب. وهو كذلك يبتسم
عندما يتعب كانه يعلم ان هناك قطع غيار بديله لتعيد خيطا أفلت منه كما العمر الذي افلت بغفله منا ولا نستطيع استعادته.
تراه جالسا خلف ماكينه خياطه يقطع خيطا باسنانه، أو يعقده ثم يسوي قماشا فوق طاوله تفسخت.
أن تسلم نفسك لمهنه أحببتها،أن تمسح عرق جبينك وتمسك أيامك بحذر كلسان مقص يقطع الحياه طولا وعرضا. ليتساقط ظلها فوق عتبه يفصلها جدار باطون عن باحه كبيره فيها أثار نواوويس وفخاريات لحياه مرت وكأن ابره أبي جورج لم تدرك ذلك الخيط لتدخله في ثقبها.
الالبسه الجاهزه علقت على مشجب عريض مصحوبه بورقه كتب عليها موعد استلام الثوب.

كانت صرخه مريره حين وجدو مقتولا في دكانه. أحد «الغرباء» دخل خلسه،ضربه ضربه قويه على راسه.وسرق ذلك الخاتم الذي التصق باصبعه سنين طويله.

ماكينه تتحرك. الخياط يفكر. ادخل الابره في الثقب قبل ان يذوب الضوء. وستمتلك احساسا بالزهو.
الدكان مقفل. لا شيء في الخارج سوى عتمه الزاروب ونور احلامه المائه الف.