فناس*

ليلى عساف
دفء تلك اللحظات في شتاء بارد. مطر ،شعره المبلل،وهو يجول الازقه في الليل الحالك. فانوس وطبلة وعصا مشدودة كأعناقنا وأعيننا التي راحت تتسع لرؤيته. يا لفرحنا حين نسمعه ينادي على أبي باسمه والجيران يسميهم واحدا واحدا.(يا أبا عبدالله يا نايم وحد الدايم. قوموا تسحروا. رمضان كريم.نغمة تطول وتتبعها نقرة قوية على طبلة نحاسية توقظ النائمين حتى الستائر الساكته كانت تصحو مع صوته.

ويزداد اشتعال الضوء خارج فانوسهوقلبه.

رنة بعد أخرى ويصدح صوته بأبيات هي أقرب الى موشحات دينية ،فنسارع الى تحضير مائدة السحور ونحرص على شرب الماء قبل الامساك
طبلة،فانوس،نداء يصعد وخطوات تتقدم بثبات وفرح في قلب الليل. (ما الذي يجبرك على ذلك يا فناس؟انه واجبي نحو ديني وأهل بلدي.)أدعوهم الى الاستيقاظ وتناول الطعام لصيام اليوم التالي….الليلة وقفة عيد،كل خطوة امشيها تصنع فرحا لقلبي وحذائي العتيق وفانوسي السحري.

صوته يطن في اذني.يلف أزقة البلد وزواريبها داعيا:لو حشى الله لو حشى الله. مودعا ليالي رمضان. سائلا النصر للبلاد. يجود عليه السكان ببعض ليرات اكراما لجهوده. لا ياخذها الا كعيديه من جيرانه وأحبابه.

زمن ألاجتياح في أحدى الليالي الحالكه ومع انقطاع الكهرباء والبرد الشديد ،فيما كان يقوم بمهمته لاحقه جنود الاحتلال اعترضوا طريقه. سخر منهم بنقرة قويةعلى طبلته النحاسيه.

يا نايم وحد الدايم…..

اشعر بالحنين لاشياء تركناهاملقاة هناك على رفوف عالية .في النملية:صحن اللبنة والزعتر البري . الدبس والطحينة والبسكويت المحشي براحة الحلقوم…السقف الخشبي المكون من جذوع الشجر السجاده العجمي اللمبه بابور الكاز وصوته الاجش الذي كثيرا ما كان يؤنسنا.الكنبة الساكتةحتى أنفاسنا المفصولة في زاوية شباك مطل على زاروب نمد أعناقنا خارج حدائده نشاهده وكأننا نلتقي كائنا أسطوريا اتيا من المريخ.

زائر الليل فانوسه وطبلته . عصاه عباءته المجعلكة. صدى صوته وفرحنا بملابس جديده وعيدية صباح العيد.
تجمعنا حول طبلية مستديره نلتف حولها لتناول السحور نحن وجارتنا ام جورج التي كانت تصوم معنا. لا زمامير ولا سيارات ولا جوال ولا كمبيوتر. وحده صوت فناس يصدح:يا نايم وحد الدايم….

أتساءل اليوم عمن يوقظنا نحن النائمون الغائبون الغافلون المذلون المهانون التائهون المقهورون…

* طبَّال