- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لا وطن في لبنان

بسّام الطيارة

ما هو الوطن ؟

العديد من الحضارات القديمة حددت الوطن بالمكان حيث دفن الأسلاف القدماء.

ألآن باتت الأوطان دول لها أعلام ولها دساتير تحمل قوانين تحتم على مواطنيها احترامها. مواطنون بعضهم متأصل أباً عن جد في أرض يعتبرها وطنه وبعضهم هاجر إلى تلك البلاد وتأصل بها.
ولكن الوطن هو قبل كل شيء إسقاط (projection) نحو المستقبل.
مستقبلك ومستقبل أولادك وذريتك. وفي اللاوعي تعيش أنت مستقبلاً يؤمنه لك الوطن… من المفروض.

تريد تكوين عائلة وتتصور مستقبل أولادك. هذا المستقبل يبدأ بالطفولة و تبتسم حين تحاول تصور طفل أو طفلة من أبناءك … مع الوقت تصبح الابتسامة موجهة للماضي تتذكر طفولة الأولاد …فقد كبر الأطفال وتزوجوا وكوَّنوا عوائل تشكل ذريتك فتبتسم هذه المرة وأنت تتصور أولاد أولادك وهكذا دواليك… هذا هو الوطن.

لهذه الأسباب تقبل بالعقد الاجتماعي في وطنك وما يترتب على هذا العقد من طاعة للقوانين، وحماية تحت قوس القضاء.
هل يحصل هذا في لبنان؟
منذ ١٨٦٠ (من أفعال عنف واستبداد الأتراك لمسيحي الجبل) دخل محرك الهجرة رؤوس اللبنانيين والمسيحيين بشكل خاص متوجهين نحو اميركا .
بعد ١٩٤٨ ونشأة دولة عبرية في أرض فلسطين وتأسيس منهج العنف عبر الحدود (سياسة القصف والأرض المحروقة) دفع بالجنوبيين نحو أفريقيا في هجرة موازية خصوصاً الشيعة.
بعد حرب ١٩٧٣ التي من نتائجها طفرة «بترودولار» في بلاد الخليج وصعود قوى الإسلام تحرك توجه هجرة اللبنانيين نحو الخليج خصوصاً أهل المدن السُنة.
جاءت الحروب الأهلية المتتابعة لتجعل من الهجرة هدفاً ثابتاً في عقول المقيمين في لبنان… مواطنون بانتظار هجرة محتمة.

هذا طبيعي لأن اسقاط مستقبل الأولاد على هذه الأوضاع هو نوع من جنون إن لم نقل من المستحيلات.
الحفاظ على الذرية هو في الحمض النووي لكل بني آدم. إذا لم يستطع بقوته تأمين ديمومة ذريته فهو «يهرب» أويؤمن «هروب» الأولاد… أي هجرة فلذات كبده.

إذا استطاع تأمين هجرة أولاده يستطيع إسقاط تخيل لمستقبلهم بعيداً عن «هذا المكان». العواطف لا تدخل في مبدأ حماية الذرية… هؤلاء الذين حباً بهم سيبعدهم عن حضنه ليهاجروا.

في السابق كانت الرسائل الورقية يحملها ساعي البريد تؤجج مخيلته. بعد ذلك بات الهاتف ثم انتقل إلى الأدوات الرقمية. رؤية عائلته في المهجر يومياً ومتابعة أفعالها: عيد ميلاد أخر العنقود …وشهادات الأحفاد…أعراس بعيدة عن زلغوطة الجيران والاكتفاء بـ «emoji» (🥰 أو 🤙). ولكن هذا لا يمنع اللبناني «القابع» من أن يعيش لحظات سعادة إذ هو تأكد من أن ذريته في أمان بعيدة عن بلد مفلس مادياً وأخلاقياً هنا يستطيع «اسقاط» مخيلته على مستقبل غير محفوف بالمخاطر.

ويرى عبر «فيسبوك» أو مجموعات رقمية أو رسائل إنترنت أن الهجرة هي «ملجأ الأمن» لعائلته.

العالم الرقمي بات وطن اللبناني (هل تذكرون ثورة واتساب؟؟) والباسبور أمله في لقاء الأحباب…بانتظار …عودة من توفاهم الله ليدفنوا في مقبرة العائلة وهو حال الجيل الأول من المهاجرين يعودون إلى ما يظنون أنه وطنهم ! ولكنهم  يعودون تعويضاً عن نقص العواطف التي دفنتها عوائلهم بسبب المسافات التي فرضتها الهجرة.

أنترنت – وطنك الجديد- يقربك من أحبابك المُبعَدين ولكنه بارد وفي زاوية من شعورك الباطني تنتظر خبراً مؤسفاً يعيد الحبيب إلى مقبرة العائلة.

لربما تأصل محرك الهجرة في عقول اللبنانيين كحل لانقاذ ذريتهم هو الذي يفسر جمودهم وبرودة ردات فعلهم تجاه ما يحصل في تلك البقعة التي يشيرون لها بلبنان.

وهو ما يسميه البعض «النبوغ اللبناني»