- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

نحو توظيف سياسي للحرب على الأنفاق

بقلم: مئير بن شباط*

تحدٍ عسير بانتظار كل من يسعى لرسم رؤيا واقعية لقطاع غزة، للعقد القادم بل وعلى ما يبدو للمدى الزمني الأبعد. فسيتعين عليه أن يختار بين رؤيا بلا أمل وأمل عديم الأساس. في مواقفه بالنسبة لليوم التالي سيتعين على المستوى السياسي في إسرائيل أن يتبنى النهج الواقعي، وأن يلتصق بالمعطيات والحقائق القاسية عن الكيان الوحشي الذي نما في منطقتنا، وتثبت عميقاً في كل منظومات الحياة والطبقات السكانية. سيتعين عليه أن يعمل انطلاقاً من فرضية أنه لن يكون ممكناً إحداث تغيير ثقافي عميق فيه، في هذا الجيل على الأقل، وسيكون مطالباً بأن يضع التجريد الأمني كشرط لازم لكل واقع يتبلور في غزة، يعارض كل مبادرة وخطوة تعرضان هذا للخطر وألا يعطي الثقة بأجهزة رقابة أجنبية.

إن وصول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى إسرائيل في الأيام القادمة سيوفر فرصة لتنسيق التوقعات مع الإدارة الأميركية حول هذا الأمر أيضاً.

بينما يدور الحوار في مسألة “اليوم التالي” حول “من سيكون” (في اليوم التالي لإسقاط حكم “حماس”)، هي مسألة مهمة لا تقل عن أهمية عن مسألة ماذا سيكون. الجواب العلني على هذه الأسئلة من جانب المستوى السياسي في إسرائيل جاء على سبيل الرفض وشدد على ما لا يكون في القطاع: حكم “حماس”، السلطة الفلسطينية، قدرات عسكرية تهدد إسرائيل وقيود على حرية عملها الأمني. هكذا رسم المستوى السياسي الخطوط للإطار العام، لكنه لم يصب مضموناً فيه.

رغم النقد الذي وجه على ذلك، خير الذي فعله المستوى السياسي حين قرر تأجيل البحث المعمق في التفاصيل. أولاً، لأجل تركيز الاهتمام على القتال. ثانياً، كي لا يخلق انطباع قصر نفس وتنظيم لإنهائه (فيضعف بذلك قواتنا ويعزز أمل العدو). ثالثاً، كي لا يثير خلافات داخلية. رابعاً، كي يؤجل ويقلل الاحتكاك السياسي في هذا الموضوع مع الإدارة الأميركية. وخامسا، لأن الحديث بالنسبة “لليوم التالي” متعلق أيضاً بإنجازات القتال في “اليوم السابق”، ومن الصواب إجراء البحث في ذلك من موقع قوة حين نكون نحوز على ذخائر وروافع وليس قبل ذلك.

ترميم الردع والتجريد الأمني هما الأساس

مع أن عملية الجيش الإسرائيلي لا تزال في ذروتها، من الصواب الخروج عن هذا الخط والتعمق الآن في إحدى مزايا “اليوم التالي” بالذات، لأن البحث فيه يمكنه أن يوفر جواباً على إحدى المعاضل القاسية في هذه المرحلة من القتال: التصدي لتحدي الأنفاق.

خلاصة المعضلة: من جهة، بعد الثمن الذي دفعته إسرائيل في 7 أكتوبر، فإنها لا يمكنها أن تسمح بوجود شبكة الأنفاق الوحشية بكل محتوياتها في قطاع غزة. بالمقابل، منذ اليوم فإن الثمن الذي تدفعه إسرائيل على كشف هذه الشبكة وتدميرها عال. استمرار الجهد للكشف المنهجي للأنفاق سيطيل القتال، سيجبي أثماناً أخرى من قواتنا بل وسيشدد الضغط السياسي على إسرائيل. فما العمل؟

كل منطقة توجد فيها أنفاق تعلن كمنطقة قتال دون حدود زمنية. أولاً، يجب الإيضاح أنه طالما وجدت أنفاق – ستتواصل حالة القتال! من الصواب أن نحقق توافقاً مع الولايات المتحدة أساساً على أن وجود الأنفاق في القطاع يتعارض ومبدأ التجريد الأمني، وأنه لن يكون ممكناً السماح للسكان الفلسطينيين بأن يعيشوا حياتهم في مناطق توجد فيها أنفاق. معنى الأمر هو أن هذه المناطق ستعرف كــ”مناطق قتال”، ومن يتواجد فيها سيعتبر عدواً وسيعامل على هذا النحو. كل هذا حتى تفكيك الأنفاق، دون قيد زمني.

إن المعارضين لهذه الفكرة سيطرحون، على أي حال، مسألة الحلول للسكان الذين يوجدون اليوم خارج مناطق القتال كوضع مؤقت حتى عودتهم إلى الحياة الطبيعية.

في واقع آخر، في ضوء سلوك غزة كـ”دولة حماس” ونظراً لمعدلات التأييد العالية لهذه المنظمة وللهجوم الوحشي ضد إسرائيل، لا مجال لهذه المسألة على الإطلاق. لكن في ضوء المواقف السائدة اليوم، ينبغي الافتراض بأن جواباً كهذا سيزيد المعارضة فقط. بدلاً من هذا من الصواب ربط الولايات المتحدة بالحلول الإنسانية، التي ستعتبر متواصلة لكن غير دائمة، من خارج منطقة القتال. حجة أخرى بهذا الشأن هي الدمار القائم في معظم الأحياء في غزة. فليس لأغلبية السكان على أي حال إلى أن يعودوا. من يرى مشروع أنفاق “حماس” – الذي استند إلى مواد البناء التي كانت مخصصة لأغراض مدنية – ينبغي أن يقلل أيضاً توقعاته للبناء والأعمال في المستقبل المنظور للعيان. في هذا الشأن أيضاً لا يمكن لإسرائيل أن تخطئ مرة أخرى.

عن “إسرائيل اليوم”