- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

غزة: هل هو إبادة جماعية أم لا؟

بقلم: كارولينا ليندسمان (“هآرتس”)

في مقاله “إذا لم تكن هذه إبادة جماعية فما هي إذاً؟” (“هآرتس”، 14/1)، أراد جدعون ليفي أن يحرف النقاش عن مسألة التعريف القانوني لما تفعله إسرائيل في غزة – هل هو إبادة جماعية أم لا؟ – إلى الأفعال نفسها. “أي اسم سنطلقه على القتل الجماعي؟ كيف يجب علينا تسمية وضع فيه الأطفال يحتضرون، والمسنون الجائعون يهربون للنجاة بأنفسهم؟ هل مهم لـ 2.3 مليون شخص أن نسمي ما يُفعل بهم إبادة جماعية أم لا؟ هل التعريف القانوني سيغير مصيرهم؟”. ليفي يصرخ في وجه الإسرائيليين: “في إسرائيل سيتنفسون الصعداء إذا رفضت المحكمة هذه الدعوى. من ناحيتها إذا لم تكن هذه إبادة جماعية، فإن ضمائرنا سترتاح. وإذا قالوا في لاهاي: إن هذه ليست إبادة جماعية.. فمرة أخرى سنكون الأكثر أخلاقية في العالم”.

هو محق في أن الغزيين المساكين لا يهمهم هذا. التعريف القانوني لن يغير مصيرهم الشخصي. لكنه يتجاهل دور جنوب إفريقيا والمحكمة في لاهاي في حرف النقاش الموضوعي حول ما يحدث في غزة، إلى النقاش المرضي الذي يتوق العالم إليه، بما في ذلك ليفي نفسه، لإجرائه حول مسألة إذا كان أحفاد ضحايا الكارثة أنفسهم هم السبب فيها. من يهمه القيام بنقاش جدي حول ما يحدث في غزة، بما في ذلك فحص قانونية جزء من النشاطات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل، فإنه لا يختار، بشكل استعراضي، اتهام إسرائيل بالجريمة الأكبر التي تم ارتكابها ضد اليهود ويتماهى معهم. عملياً، إذا كان وبحق “ضميرنا سيرتاح مرة أخرى” إذا قرروا في لاهاي أن هذه ليست إبادة جماعية، فإن جنوب إفريقيا والمحكمة يمكنهم اتهام أنفسهم قبل كل شيء آخر.

إن محاولة نسب خطة أو نية ارتكاب إبادة جماعية لإسرائيل دائماً ستتعارض مع نمط ذكرى الكارثة، وسينتج عنها أن “هذه ليست إبادة جماعية”. إذا تمت إدانة إسرائيل بالإبادة الجماعية، فإن العالم يكون كاذباً لأن إسرائيل لم تخطط أي حل نهائي لإبادة العرق الفلسطيني. وهذا ما يوجد في رأسنا عندما نسمع “إبادة جماعية”، لا يهم ما يشرحه الأفارقة لنا. وإذا خرجت بريئة من الإبادة الجماعية، فهي ستحتفل بالبراءة وستستأنف الشعور بالحصرية على مربع ضحية الإبادة الجماعية في العالم الغربي.

التطلع إلى تبديل الأدوار، الذي يوجد في خلفية النقاشات في لاهاي، لن يساعد مهما حاولوا جعلنا نوافق على أن الكارثة ليست الشكل الوحيد للإبادة الجماعية، وأن “ماين كامف” (كتاب “كفاحي”) أو الحل النهائي ليس الشكل الوحيد للتعبير عن النية. ففي حين أنه في حالة الكارثة العالم رأى في كتاب “كفاحي” توقاً نفسياً، فإن حالة “حماس” هذه عملية وعي. قادتها تعلموا من التجربة الصهيونية ومن الإسهام الذي كان للكارثة في إقامة دولة إسرائيل.

بالنسبة لـ”حماس”، فإن الاعتراف بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني يمكن أن يجعل الأمم المتحدة تعمل بالنموذج نفسه الذي عملت به في أعقاب الكارثة، والدفع قدماً في نهاية المطاف بإقامة الدولة الفلسطينية. لأن العالم دائماً يستيقظ للعمل بشكل متأخر جداً، فقط بعد تغذية ضميره على وجبة الصور النازفة للمعاناة الجماعية التي هو متعطش لها.

أي نقاش حقيقي لا يمكنه تجاهل أن “حماس” دفنت لإسرائيل فخ الإبادة الجماعية: لقد بنت لنفسها شبكة أنفاق تخدمها – هي وحدها – أيضاً كملجأ. وقد خططت لأن تُخرج إلى حيز التنفيذ هجوماً قاتلاً على صورة المذبحة، فقط في هذه المرة، للمرة الأولى في تاريخ المذابح، كان يوجد لليهود جيش، وكان يمكنهم أن يردوا على هذه الحرب. وعندما ردت إسرائيل بقوة “هذا لن يتكرر مرة أخرى”، فإن من كان ينتظرها هناك وتلقى معظم النيران لم تكن “حماس”، المحمية في الأنفاق، بل الشعب الذي تم تركه بشكل متعمد وهو مكشوف أمام “الإبادة الجماعية” التي ستأتي.

إذا عدنا إلى أسئلة ليفي – هل من المهم إذا أطلقنا على ما يتم ارتكابه بحقهم إبادة جماعية أم لا؟ هل التعريف القانوني سيغير مصيرهم؟ بالنسبة لـ”حماس” الإجابة عن هذه الأسئلة هي بالتأكيد نعم، هذا مهم إلى درجة أنه يجعلهم يخرجون عن أطوارهم، حرفياً، ويفعلون ذلك بشعبهم.

عن “هآرتس”