- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

النسخة الإسرائيلية من فيتنام (عن “إسرائيل اليوم”)

بقلم: يهودا بلنجا

منذ بداية الحرب في غزة يصدر تحديث يومي عن عدد المخربين الذين صفاهم الجيش الإسرائيلي، الانفاق التي دمرها وحجم الإصابة لبنى حماس التحتية.

ظاهراً، من المشاهد ومن المعطيات التي تعرض في الاعلام، بما في ذلك تقارير الناطق العسكري الإسرائيلي، يبدو أنه رغم الانخفاض في شدة القتال، فان الجيش الإسرائيلي بالطريق الى تحقيق أهدافه. لكن هل الاعداد هي الطريق الصحيح الى “النصر المطلق”؟

باللغة العسكرية، ضرب المسلحين او البنى التحتية يسمى “إحصاء الجثث” (Body count). في الغالب يعتبر كثأر، لكن الاستراتيجية من خلف هذا النهج يسعى للوصول الى “نقطة انكسار” العدو. بمعنى، المرحلة التي يكون فيها عدد القتلى اكبر من قدرته على تجنيد وتأهيل قوة بشرية جديدة. وفي هذا بالضبط تنخرط استراتيجية “إحصاء الجثث مع أهداف حرب السيوف الحديدية، مثلما عرضها المستوى السياسي للجيش الإسرائيلي: تصفية البنى التحتية العسكرية لحماس وتقويض حكمها في قطاع غزة.

مؤشرات أولى على الاستخدام الإسرائيلي للاصطلاح (حتى وان كان بشكل غير مباشر) يمكن ايجادها في الجولات الأولى ما بعد الانسحاب من غزة في 2005، لكن أساسا في حرب لبنان الثانية. في أواخر ولاية رئيس الاركان غادي آيزنكوت طرحت استراتيجية “إحصاء الجثث”. في اذار 2013 قضى آيزنكوت: “في السنتين الأخيرتين قتل في الضفة فقط 171 مخربا… الجيش يعمل بشكل دقيقة، عدواني. حيثما ينبغي يبادر ويعمل“.

كما ان خليفته في المنصب، أفيف كوخافي، واصل في هذا الاتجاه الاصطلاحي. في صيف 2020، بعد زيارة الى تدريب قادة في لواء المظليين، قال ان المقياس لنجاح القتال هو “فتك القوة”. وأضاف: “في نهاية كل مرحلة في القتال ينبغي فحص حجم العدو والاهداف التي دمرت، وليس فقط مجرد احتلال الأرض”. هرتسي هليفي، الذي تسلم الجيش الإسرائيلي على أساس مباديء آيزنكوت وكوخافي، لم يخرج عن خط التوجيه الذي حدده اسلافه. وتطبيق هذا النهج نراه اليوم.

ليست إسرائيل هي التي ابتكرت الاصطلاح. ففي زمن الحرب العالمية الثانية، وبخاصة في الحرب الكورية استخدم الأميركيون اصطلاح إحصاء الجثث” كمقياس للنجاح العسكري. وبلغ الامر ذروته في زمن حرب فيتنام. “إحصاء جثث، قتل مؤكد ونسبة قتل أصبحت من التعابير المعروفة للغاية جدا في الحرب”، كما كتب د. طل طوبي.

وهو يشرح فيقول: “هذا النهج لم يحقق أهدافه بسبب إخفاقات بنيوية فيه”. الأول – على الجيش الأميركي فرض حظر على تجاوز خط الحدود بين جنوب فيتنام وشمالها؛ والثاني – لم يكن لاحتلال الأرض اي معنى في نظر الأميركيين. لكن إسرائيل ليست أميركا، وغزة ليست فيتنام. رئيس الوزراء نتنياهو عرّف مرات عديدة حرب السيوف الحديدية كـ “حرب الاستقلال الثانية لإسرائيل”. ولئن كان هذا تعريفها – فان نهج القتال الحالي ليس ملائما لها.

من 1948 وحتى 1982، إدارت إسرائيل حروبها في اطار معركة سعت الى حسم العدو. في ظل احتلال الأرض والسيطرة فيها. وقد فرض الامر على كاهلها المسؤولية عن الإدارة المدنية والأمنية للأرض، مقاييس النجاح والفشل كانت واضحة.

لكن نهج القتال الذي يتمثل بـ “إحصاء الجثث” – مثلما لم ينجح مع الأميركيين ضد الفيتكونغ، الى ان اضطروا الى الاعتراف بفشله. أولا، لان إسرائيل لا تبحث عن سيطرة في الأرض، او نقل الصلاحيات الى جهة سلطوية أخرى كبديل لحماس. هذا الامر يؤدي الى أنه بعد انهاء مهمة “ابحث ودمر” يخرج الجيش الإسرائيلي من منطقة النشاط ويخلف وراءه فراغا يمتلىء على الفور برجال حماس. ثانيا، إسرائيل لا تعرف حقا كم نشيطا لحماس يوجد في غزة (مقاتلون وداعمو قتال). باستثناء بضع قوات محددة، معظم المخربين لا يلبسون البزات. هذه النقطة تجعل من الصعب اكثر تحديد حجم القوة البشرية في منظمة الإرهاب، وضمنا – نقطة انكسارها.

على المستوى السياسي والجيش الإسرائيلي ان يفحصا بدائل لتحقيق أهدافهم. أحدها هو الحاجة لخلق بديل لحماس في غزة، يضمن سيطرة امنية إسرائيلية في ظل التعاون مع محافل اجنبية في الجانب المدني. ان إحصاء الجثث ليس وصفة للنصر. لا الجزئي، وبالتأكيد لا “المطلق“.