بسّام الطيارة
نقل مقربون من الرئيس ماكرون قوله: « إنه يريد أن يكتب التاريخ… ولا أن يعاني منه”. جاء هذا القول خلال المحادثة التي أعقبت إعلانه حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات بعد ثلاثة أسابيع.
الهزيمة الكبيرة التي مني بها المعسكر الرئاسي في الانتخابات الأوروبية ليست نتيجة صعود حزب «التجمع الوطني»، ولا طروحات ممثله الشاب جوردان بارديلا. لا، الفرنسيون لم يلتفتوا لأوروبا ولا اهتموا بسياساتها المنتظرة… البرلمان الأوروبي بعيد عن هموم الشعب الفرنسي.
لقد صوت الشعب ضد الرئيس وسياساته، هذا يختصر كل التحليلات.
يقال إن أوروبا تميل إلى اليمين، وقد أثبتت ذلك النتائج في الـ«المجموعة الأوروبية» التي سيكون برلمانها في ستراسبورغ بلون يميني. لكن ماكرون هو أيضاً من اليمين!
لننظر فقط إلى الإصلاحات التي فرضها بـموجب قوانين مستعجلة تحت تسمية ”49.3” تمنع البرلمانيين من مناقشة القوانين المطروحة (11 استخدامًا للمادة 49.3)!
الأمثلة كثيرة : إصلاح قانون العمل الذي يضعف حماية العمال؛ والإصلاحات التي طالت سكك الحديد وفتحت مجال دخول الشركات الأوروبية، وكان إلغاء الضريبة على الثروات استفاد منها الأثرياء ولم تجلب أكثر من 1.7 مليار يورو للخزينة، وما زال الاقتصاد ينتظر «تسرب الإفادة للطبقات العربية» أما في خطة التعافي لمكافحة فيروس كورونا فقد خصص ماكرون 100 مليار دولار استفاد منها عالم الأعمال بشكل أساسي، وأخيراً وليس آخراً «إصلاح» التأمين ضد البطالة الذي انتقص من حقوق العاطلين.
ونتيجة ثورة «السترات الصفراء»، قامت حكومات ماكرون بتخفيض حصة العمال في المساهمات الاجتماعية لتنعكس مباشرة على الرواتب بشكل خفيف، وبعدها تم إلغاء ضريبة الإسكان، لكن هذا لم يكن كافيا لمحو لقب «رئيس الأغنياء» الذي رافق ماكرون منذ وصوله إلى الاليزيه.
وكذلك وعلى مدى السنوات السبع التي قضاها في الحكم صده المجلس الدستوري وردّ عدداً من القوات وعلى سبيل المثال وليس الحصر: القوانين المتعلقة بتقييد الصحافة والتي فرض عليها المجلس الدستوري إلغاء عدد من موادها، تماما مثلما ردّ القانون المتعلقة باستخدام المسيرات خلال المظاهرات، ،التي أدانها المدافعون عن الحريات.
ولكن المارونية انزلقت نحو مساومات مع اليمين المتشدد أبرزها قانون الهجرة والأمن وهو موجه لمحاربة المهاجرين واللاجئين كما يطالب اليمين؛ وما سمي بقانون «الانفصالية» والذي كان موجها لمحاربة الإسلاميين المتطرفين، وكما كان متوقعًا من ماكرون فيما يتعلق بمسألة العلمانية، كان نص «الانفصالية» يهدف إلى محاربة الإسلام المتطرف ولكن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليمين شدد من مواده ما دفع قسم من نواب الأكثرية الماكرونية لعدم التصويت له … ولكن مر القانون بأصوات نواب حزب التجمع الوطني .. اليمين.
ماكرون هو يميني بالقوة، ولكنه يميني رأسمالي. وبالمقابل فإن حزب التجمع الوطني (الذي هو وريث الجبهة الوطنية) هو يمين شعبوي. بين هذا اليمين الرأسمالي واليمين الشعبوي، كانت فرنسا دائماً مع شعبوية بمعناها الثورة: بعض الأمثال: الثورة الفرنسية والجبهة الشعبية في الثلاثينيات، من ثم مقاومة النازية من قبل الطبقات الشعبية، وحتى الجنرال ديغول جاء الاستفتاء الشعبي ليرسله إلى منزله رغم مكانته في تاريخ فرنسا الحديث، وميتران لم يصل إلى الاليزيه الا بعد أن بنى اتحاد اليسار؛ وكذلك جاك شيراك استخدم مفهوم «الانقسام الاجتماعي» كشعار لحملته التي أوصلته إلى الإليزيه!
هذه فرنسا العميقة، المسيسة، التي لا تنخدع… بالحيل الإعلانية ولا بألاعيب التواصلية ، ولا بالاجتماعات الكبيرة للنقاش التي …دور لها ماكرون ولا رهبة استقبال الرؤساء. فرنسا صوتت للاختيار بين يمينين. وهو ما برز في واقع كل المناظرات خلال الحملة الانتخابية التي كانت بين الشابين بارديلا رئيس الوزراء الشاب غبريال أتال.
الانتخابات كانت يمين ضد يمين.