بقلم: تسفي برئيل
عن “هآرتس”
أخيرا، نجحنا في إنتاج استعراض حقيقي. ليس شجارا على مستوى الحي أو تبادل اللكمات مع عصابات. الآن، توجد أمامنا حرب شاملة محتملة، “حلقة نار” أمام “حلقة نار”، التي إذا اندلعت فإن من شأنها أن تعيد مجددا رسم خارطة الشرق الأوسط. فقط هناك سؤال صغير آخر، الذي ربما حتى من غير الجدير طرحه مع الأخذ في الحسبان حجم اللحظة، وهو ماذا سيحدث لمواطني دولة اسرائيل عندما تسقط آلاف الصواريخ والمسيرات وكل “الأجرام السماوية” على التجمعات السكانية، وتهدم مباني عامة وتقتل آلاف السكان.
الآن، الدول تطلب من مواطنيها الخروج من لبنان، وشركات طيران تقوم بإلغاء رحلاتها إلى اسرائيل ولبنان. في حين أن مواطني اسرائيل، الذين سيشكلون الضرر العارض المتوقع في هذه الحرب، فإن المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي ما زال يقترح عليهم عدم الذعر، وأنه فقط يجب عليهم الامتثال لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية التي لم تتغير بعد. بكلمات أخرى، “اشربوا الماء، كل شيء على ما يرام، الحياة تسير كالمعتاد”. تنقص صياغته الباردة فقط كلمات مهدئة مثل “حزب الله مرتدع” و”ايران مرتدعة” من اجل استكمال هذه القصيدة.
يبدو أن النظرية، التي وجهت وزير الدفاع السابق، إيهود باراك الذي في العام 2011 توقع بأنه “لا توجد أي احتمالية لأن يقتل 50 ألف شخص أو 5 آلاف شخص أو حتى 500 شخص” في هجوم مضاد لإيران، ما زالت سارية المفعول، رغم أنه منذ ذلك الحين اصبح في حوزة “حزب الله” عشرات آلاف الصواريخ الدقيقة وترسانة ايران العسكرية امتلأت بكل الأنواع.
ربما بدأ التوتر والرعب من الحرب الإقليمية يتثقل قليلا على الشعور بالراحة الذي جلبه لنا الإنجاز الساحر، تصفية إسماعيل هنية وتصفية فؤاد شكر. وبعد قليل، سنجد صعوبة في تذكر اسميهما. لكن في المقابل، حصلنا على المزيد من المكاسب، التي هي أهم بكثير من عمليات التصفية ومؤثرة أكثر من توقع الحرب. هذا سيكون الاستعراض الأضخم الذي سيخفي مرة والى الأبد موضوع المخطوفين، وسيلغي “الصفقة” المغروسة مثل حجر في نعل الحكومة وتسبب عدم ارتياح قليل لرئيسها.
من الذي يفكر الآن، في الوقت الذي فيه ايران تقف على الجدار، بالخروج للتظاهر في ميدان المخطوفين؟ كم من الصبر وحب الاستطلاع بقي من اجل سماع المزيد من القصص وتجارب العائلات التي تحطم عالمها؟ وماذا عمن تم إخلاؤهم؟ الأمر محزن ومثير للغضب، لكننا مجبرون على أن نشتري وبسرعة المزيد من المياه المعدنية لأن المنافسة الكبيرة عليها بدأت.
لكن هنا أيضا تبدأ قصة من يسمون رؤساء جهاز الأمن، رئيس “الموساد” ورئيس “الشاباك” ورئيس الأركان ووزير الدفاع. قبل لحظة، كانوا هم آخر أبطال الأخلاق وحماة الدولة، ليس فقط من العدو في الخارج، بل بالأساس العدو في الداخل، ضد عصابة زعران ورئيسها الذين يقومون بنهب الدولة وينزعون عنها طابعها الإنساني. حتى الآن، هم الوحيدون الذين تجرؤوا على قول الحقيقة لرئيس الحكومة، والطلب منه بأن يتوقف عن زرع العبوات الجانبية في الطريق إلى صفقة التبادل. نحن نطلب منهم أيضا بأن يقولوا لنا الحقيقة، وأن يقوموا بكشف جرائم نتنياهو تجاه المخطوفين وعائلاتهم. نحن نلح عليهم ونتوسل اليهم “لا تتعاونوا”، وحتى نقترح عليهم تقديم استقالاتهم لهز الحكومة، وبالأساس هز الجمهور.
لكن ماذا حول مسؤوليتهم عما يبدو كإفشال أخير للصفقة؟ هل قاموا بعرض سيناريو فيه تصفية هنية ستعطل الصفقة؟ أو أنهم انقضوا على الفرصة الاستخبارية والعملياتية وكأنهم وجدوا غنيمة كبيرة، وقالوا بصوت واحد، “يجب علينا القيام بعملية التصفية”؟ هل قدروا أن هذا “الإنجاز” سيدخل اسرائيل وكل المنطقة إلى دوامة، وسيدخل مواطني الدولة إلى خوف وجودي ويبقي المخطوفين في الأنفاق المظلمة لأشهر أخرى من المعاناة؟. في نهاية المطاف، هم الذين قالوا وما زالوا، إن حملة تسوية الحساب القاتلة مع “حماس” سيكون بالإمكان استكمالها في أي وقت، حتى بعد الحرب وربما بعد سنوات. فهل هم أيضا يكذبون؟.