عن “إسرائيل اليوم”
لحظات قليلة جداً في هذه السنة اللعينة تسببت بفرح كلحظة أول من أمس، التي علم فيها أن يحيى السنوار صفّي في غزة. “العقل الشيطاني” المسؤول عن “مذبحة” 7 تشرين الأول، وعن قتل 1200 إسرائيلي في السبت الأسود، وعن اختطاف أكثر من 250 مواطناً وجندياً، والعدو الأكبر الذي يوجد عالياً في قمة الكارهين والمكروهين لإسرائيل واليهود على أجيالهم، لقي مصيره المناسب في بداية عيد العرش.
وبعد الفرح المفهوم هذا جاء القلق المفهوم بقدر لا يقل على مصير المخطوفين. من يدري ما الذي يحصل لهم الآن، حين علم محتجزوهم أن قائدهم المحبوب صُفّي. فهل صدر الأمر لهم بالمسّ بالمخطوفين؟ هل يوجد على الإطلاق من يصدر الأوامر في هذه اللحظة في غزة؟ هل يوجد لإسرائيل ما يكفي من المعلومات عن وضع أو مصير المخطوفين وعمّن يحتجزهم؟ هل يمكنها أن تغري بطريقة ما من يحتجز المخطوفين للحفاظ عليهم أو لتسليمهم مقابل الوعد بالحصانة، بمنحة مالية، أو بكلتيهما؟
الكثير جداً من الأسئلة التي تبقت حالياً بلا جواب. غير أنه بخلاف مسائل أخرى، كمستقبل “حماس” وقيادتها ومستقبل القطاع وسكانه، لا يوجد وقت أمام قضية المخطوفين. من الواضح منذ الآن أنهم يموتون في الأسر، والوضعية التي تغيرت، أول من امس، بشكل جذري لا بد أنها لا تخدمهم. وعليه فعلى إسرائيل إعادتهم إلى الديار – هدف الحرب المركزي، لمن نسي – قبل أن تنجر مرة أخرى إلى أمور أخرى وإلى جبهات أخرى.
هذه مهمة مركبة بأضعاف، الآن، لأنه ليس واضحاً على الإطلاق مع من نتحدث في “حماس”. كان السنوار القائد كلي القدرة في القطاع، لكنه كان أيضاً رئيس الذراع السياسية للمنظمة. بغيابه لا يوجد عنوان في غزة، ولا يوجد عنوان في قطر. على إسرائيل أن تبحث عن عنوان بديل – في غزة، في قطر أو في كل مكان آخر – وأن تكون إبداعية وسخية في العروض التي تتقدم بها، بهدف الوصول إلى حل سريع للمشكلة الكبرى والأكثر إيلاماً.
إن تصفية السنوار تستوجب من إسرائيل أيضاً أن تقول بجدية لنفسها وللعالم، ما الذي تعتزم عمله في غزة في المستقبل. حتى أول من أمس، كان يمكنها أن تدعي باسم الملاحقة للسنوار أن الحرب لم تنته، وذلك لأن من بادر إليها لا يزال حياً. أما الآن فقد تغير الوضع: صحيح أنه سيبقى “مخربون” في غزة، بعضهم كبار – وعلى رأسهم أخو السنوار، محمد، الذي قد يخلفه – لكن سيكون ممكناً الدفع قدماً بحل أوسع يثبت بديلاً سلطوياً واضحا، بغياب الرجل الذي أمسك بالقطاع من عنقه وجلب الكارثة عليه.
لا ينبغي لإسرائيل أن تنتظر اقتراحات غريبة لحل كهذا. فالعالم يتنكر لها الآن، وقد يحاول أن يفرض عليها حلولاً أقل راحة لها. وهي لا ينبغي بالتأكيد أن تستجيب لجناحها المتطرف في الحكومة، الذي يعتقد أن هذه لحظة مناسبة لتوطين اليهود في غزة. هذه وصفة لكارثة من كل ناحية، ستجعل إسرائيل دولة منبوذة ومنعزلة. بدلاً من الغرق في الأخيلة، على الحكومة أن تعمل بمبادرتها على حل يؤدي إلى إعادة المخطوفين، إنهاء الحرب، وإقامة حكم بديل في غزة، في ظل حفظ حرية عمل أمنية كاملة في أيدي إسرائيل.
خطوة كهذه ستسمح أيضاً بإنهاء الحرب في الشمال. إلى أن وصلت الأنباء عن تصفية السنوار، كانت إسرائيل توشك على أن تخرج من العيد بأجواء عاجزة، في أعقاب موت خمسة مقاتلين في سييرت غولاني في اشتباك مع “مخربي” “حزب الله” في جنوب لبنان. كان هذا دليلاً آخر على قتال يجري في الميدان، وعلى أن المعركة في لبنان بعيدة عن الحسم. في لبنان، مثلما في غزة أيضاً، خيراً تفعل إسرائيل إذا ما اكتفت بالأهداف التي وضعتها لنفسها ولا تغريها أفكار أكبر من قدرتها على تحقيقها.
وكل هذا يحصل بينما في الخلفية الهجوم الإسرائيلي المقترب في إيران، رداً على هجمة الصواريخ الإيرانية على إسرائيل في 1 تشرين الأول. في الأيام الأخيرة، استكمل نشر منظومة ثاد الأميركية في الدفاع ضد الصواريخ، وتنسيقها مع منظومة الدفاع لسلاح الجو، ما سيسمح لتصدٍ أفضل للرد الإيراني المضاد المرتقب. إن تبادل الضربات المرتقب سيسمح للطرفين بالانزلاق إلى معركة واسعة، تحاول جهات دولية مختلفة منعها.
حتى ذلك الحين تعيش إسرائيل وضعاً أمنياً وسياسياً معقداً في كل الجبهات، وتحت تهديد متواصل من إطلاق الصواريخ والمُسيّرات لكل مناطق البلاد. كما أنه من المعقول أن يكون هناك كثيرون من مؤيدي “حماس” في الضفة ممن سيحاولون الثأر على تصفية السنوار، والأيام القريبة القادمة ستكون متوترة ومليئة بالأعمال الأمنية.