- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

إسرائيل تغرق في «وحل» غزة بينما تتجه نحو التسوية في الشمال

بقلم: تسفيكا حايموفيتش*

عن “إسرائيل اليوم”

بعد 13 شهراً من الحرب في سبع جبهات وبعد أسابيع من تغيير سلم الأولويات بين ساحة غزة ولبنان مع مناورة برية في المجال القريب للحدود وحجوم هجمات غير مسبوقة من سلاح الجو في عمق لبنان وفي الضاحية الجنوبية بخاصة، يبدو أن المعركة قد تتغيّر.

بخلاف المعركة في غزة، التي منذ بدايتها كان واضحا أن التسوية ليست غاية الحرب (عندما ترفض الحكومة البحث “في اليوم التالي” ولا يوجد توافق على صاحب السيادة في غزة بعد الحرب، فإن حكم الحرب أن تستمر وكذا أيضا بقاء “حماس” كحاكم في قطاع غزة)، فإن سياقات التسوية في الشمال تصل إلى السطر الأخير في ظل إصرار إسرائيل على شروط محسنة لتجسيد الإنجازات العسكرية.

التسوية في الشمال معقدة، أساسا آليات التطبيق، وتنفيذ الشروط التي تصر عليها إسرائيل حقاً.

ومع أن التسوية، حين يتفق عليها، هي بين حكومتي إسرائيل ولبنان، لكنّ ثمة اثنين بدونهما لا تحدث التسوية هما بالذات ليسا المشاركين المباشرين فيها. كل تسوية مهما كانت ستمر تحت عيون ومصادقات الإيرانيين من جهة وإدارة ترامب من جهة أخرى، ولكل واحد منهما مصالح مختلفة، فساحتنا المحلية هي فقط وسيلة للدفع قدما وحماية مصالحهما. معقد – سبق أن قلنا.

بالمقابل، الواقع في غزة معقد أكثر بكثير. طالما كانت حكومة إسرائيل غير مستعدة للبحث في “اليوم التالي” لـ “حماس” في غزة، سنشهد حملات اجتياح وسيطرة مؤقتة للجيش الإسرائيلي على مناطق مختلفة في قطاع غزة (اليوم جباليا وغداً ماذا؟)، الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي وخلايا “المخربين” سيستمر، والثمن الذي سندفعه من حياة مقاتلينا سيرتفع.

يبدو أنه دون تسوية جوهرها إنهاء الحرب وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، فإن احتمال تحرير 101 من أناسنا المأسورين في غزة طفيف أكثر من أي وقت مضى، وبالتأكيد حين تكون هناك جهات في الحكومة تتحدث عن إدارة مدنية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، بل عن استئناف الاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة. وإذا لم يكن هذا بكافٍ، ففي الواقع في غزة بعد تصفية السنوار، حيث لا يوجد عنوان محلي ذو مغزى يتخذ القرارات، وأكثر من ذلك إذا كانت في عهد السنوار كل الفصائل موحدة تحت قيادته وإمرته، فإننا نشهد في الأسابيع الأخيرة انقساما بين “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، حيث قطع الأخيرون الاتصال، ويديرون سياقات مستقلة (حيال روسيا أساساً) حول المخطوفين المحتجزين لديهم. هذا نذير سوء جداً لإسرائيل، ولعائلات المخطوفين، وللمخطوفين أنفسهم. معقد – سبق أن قلنا.

إن التسوية في الشمال ستسمح، مؤقتا على الأقل، بإغلاق ساحة الحرب الشمالية، وللسكان بالعودة إلى بيوتهم (اختبار لا يزال أمامنا في الدولة – من ترميم الثقة وحتى ترميم البيوت والبلدات المدمرة)، وللجيش بأن ينعش صفوفه، ولأن يخفف ويقلل العبء عن جيش الاحتياط، وأن نكون جاهزين للاختبارات التي سيفرضها الواقع علينا. في رأسها اختبار الرد على أول خرق للاتفاق من قبل “حزب الله” (السؤال هو ليس إذا ما كان سيخرق الاتفاق بل متى).

في ساحة القتال في غزة لا تغيير يبدو في الأفق، وفي بداية الشتاء الثاني للحرب يبدو أن الغرق في الوحل الغزي محتم. إن الفرصة للربط بين الساحتين واستخلاص نهاية الحرب في غزة مقابل تحرير المخطوفين كان مصلحة إسرائيلية أولى في سموها، لكن لأسفي بقيت فرصة غير مستقلة.

للتسوية في الشمال أهمية إقليمية عظيمة المعنى، وهي تطرح أسئلة جوهرية حول الشرق الأوسط: كيف ستعمل إيران بعد أن يكون “حزب الله” و”حماس”، وكيلاها المركزيان، ضعيفين جدا. كيف ستؤثر عودة ترامب إلى البيت الأبيض على المنطقة؟ وماذا سيكون مصير باقي الوكلاء الإيرانيين – الحوثيين في اليمن والميليشيات في العراق؟ هؤلاء الأخيرون شددوا، مؤخرا، هجماتهم على إسرائيل، والميليشيات العراقية تطلق المُسيرات كل يوم تقريبا.

بخلاف باقي الجبهات، لم يهاجم الجيش الإسرائيلي قواعدها بعد. يحتمل أنه بعد إغلاق الجبهة الشمالية ستوجه المقدرات لمعالجة هذا التهديد.

أن نعرف كيف نغلق ساحات الحرب قرار لا يقل شجاعة عن الخروج إلى الحرب. هذه زعامة وتلك زعامة. ولكلتيهما نتوق أكثر من أي وقت مضى.

* عميد احتياط، قائد منظومة الدفاع الجوي سابقاً، ومستشار استراتيجي.