ميشال مشعلاني*
الملفت ان التيارين وبالرغم من اختلاف هويتهما الأيديولوجية وجدا معينهما السياسي في فكر الغرب المسيطر.
الغرب فتت البلاد وخلق كيانات مكانها والنخب قبلت الكيانات ودخلت في متاهة التغيير الكياني.
وفيما عدا التجربة الناصرية التي حاولت ان تصحح البوصلة من خلال فرد واحد عادت مجموعته بعد رحيله إلى فكرها الأساسي : الثورة في الكيان .
وليس من عجب ان تستعمل القوى المهيمنة الغربية تلك النخب ذلك أنها تلعب في ملعب التفتيت بمعزل عن هويتها وعقائدها.
الفارق ان التيار القومي اضطرّ إلى الحكم بالعنف لانه بدون حاضنة شعبية. اما التيار الاسلاموي فكلما انحصر في كياناته كلما اكتسب تمثيلا طائفيا واسعاً بسبب تماهي الحاضنة التي يمثلها مع مشروعه التغييري، تغيير الغلبة.
يمكن القول ان الغرب الاستعماري قد نجح في اجبار نخبنا على قبول اللعب بالمتاهة.
التيار القومي، قومي بالاسم، لكن مشروعه الفعلي كياني، اي متصالح بالنتيجة مع الهيمنة التي فتتت وطنه. ولذلك عجز عن تحقيق شعاراته وفي جميع الميادين.
اما التيار الاسلاموي الذي رضي هو ايضاً اللعب بالمتاهة فكلما غلب كلما فجر الاجتماع الكياني وادخل الكيان في مرحلة فوضى لا تخدم إلا الهيمنة.
المشكلة ان ممثلي تلك التيارات يزدادون كيانية كلما اكتشفوا انهم يجرجرون الخيبة والفشل.
التيار القومي يزداد علمانية وتمسكاً بمشروع الدولة الغربي الكياني وهو غير ممكن . والتيار الاسلاموي يزداد تعصباً وطائفية كلما حاول ان يبني دولة المواطنة.وبالحالتين المستفيد الوحيد هو الهيمنة. التيارات تتصارع وتتناحر حول ما تظنه خلافا عميقا والحقيقة أنها تتصارع بالمتاهة ذاتها ولا تقود شعوبها إلى اي تقدم.
الآن السؤال هو لماذا لم يبرز تيار تحرري عربي يستجيب للتحدي التاريخيّ المتمثل بمنظومة الهيمنة على منوال ممارسة جمال عبد الناصر في فترة مشروعه التحرري ؟ السؤال هو لماذا انزلقت النخب العربية إلى الكمين المنصوب لها من قبل الهيمنة؟
لاحظوا معي كيف تتفادى تلك التيارات ، بمختلف ألوانها، العدو الأساسي وتفضل ان تناطح محليا. لا بل تفضل في اللحظات الحرجة ان تتقاطع مع الهيمنة ضد بلادها.
لاحظوا معي غياب النخب القومية والاسلاموية معاً من الصراع في فلسطين.
اليس بسبب انزلاق الجميع نحو المتاهة الكيانية؟
هذا مع العلم ان التجربة بينت ان الخروج على الكيانات وبناء مشروع موحد هما السبيل العملي الوحيد الذي يضمن ليس فقط الدفاع الناجح بل بناء دولة قوية صاعدة
ألم يحن الوقت بعد لكي يبرز هذا التيار الذي يستجيب للتحدي التاريخيّ الفعلي ؟
* كاتب مقيم في باريس