
Screenshot
بسّام خالد الطيارة
قبل الحديث عن الذكاء الاصطناعي (AI)، من الأفضل فهم ماهيته، لأن الجمع بين هذين المعنيين، “الذكاء” و”الاصطناعي”، قد يكون مُربكًا: فالذكاء فطري لدى البشر، الذين يُبدعون كل شيء اصطناعي!
قبل الولوج في الحديث عن هذا الموضوع وجب لفت الانتباه إلى ثلاثة أنواع مما يشار له بالذكاء الاصطناعي:
- الذكاء الاصطناعي الشامل (AI Open) وهو يستعمل للبحث السريع عن المعلومات أو لتحليل معلومات مثل (ChatGPT) أو التأكد من صحتها وحتى اليوم هي الأشهر ولكن توجد برامج تنافسها وإن لم تحتل واجهة الاستعمال حتى الآن مثل (Deep Seak)أو (Baidu) من الصين أو (Mistral AI) الفرنسي أو (Alpha Go ) البريطاني و(Sap Leonardo) الألماني و(Yandex) الروسي وهي المنصات الأشهر الشاملة.
- الذكاء الاصطناعي المتخصص في مجالات معينة. وهو يستعمل نفس المبدأ ولكن محرك البحث يدور فقط في مجال التخصص: (Aenigma) الألماني المتخصص في الصناعة الميكانيكية و(AIDOC) الفرنسي المتخصص في المجالات الطبية و(Anyvision) الإسرائيلي المتخصص في التعرف على الوجه و(NEOMA AI) المتخصص في الابتكارات الحديثة. (لائحة غير حصرية في نهاية المقال على برس نت)
- الذكاء الاصطناعي المبرمج. وهي برامج حسب طلب الشركات الكبرى (والصغرى والمتوسطة وحتى الحرفيين). هذه البرامج تتم صياغتها حسب أعمال «الزبون» (يمكن أن يكون سوبر ماركت أو مصنع أو أي مهنة تتطلب تنظيم). ويتم كتابة البرامج بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي ولكن البرنامج غير شامل ومقفل لا يصل له إلا موظفو الشركات المعنية.
نهتم بشكل أساسي الذكاء الاصطناعي الشامل (AI Open)
ولكن لندرك كيف يعمل الذكاء الاصطناعي أيا كان هدف استعماله، إليكم طريقة بسيطة لشرح الذكاء الاصطناعي: يشبه الذكاء الاصطناعي أداةً تُساعد أجهزة الكمبيوتر. فهو يُساعد هذه الآلات على فهم الأمور واتخاذ القرارات. تعتمد هذه الأداة على خوارزميات تُرشدها إلى كيفية توجيه أجهزة الكمبيوتر، والأهم من ذلك، تدلها أين تجد المعلومات التي تُساعد في التوجيه المطلوب… والأهم يتم ذلك بسرعة تتجاوز سرعة قدرة بني انسان.
مثال بسيط: نحن في المطبخ نُحضّر طبقًا، وتقول الوصفة إننا نحتاج إلى ملح: يُخبرنا دماغنا (الذي يعرف مكان الملح) في أي خزانة نجد الملح. إذا معرفة مكان الملح مهم لمتابعة المهمة. لقد استرجع دماغنا المعلومات المُخزنة حول مكان وجود الملح.
ومن وجهة نظر أكثر تعقيدًا يمكننا القول إن دماغنا «تعلّم» أين موقع الملح بملاحظة سابقة؛ ليس فطريًا بل أكتسبه.
إذن، الملاحظة والتعلم هو أساس الذكاء، والذكاء الاصطناعي يُبنى بالتعلم ودراسة العديد من الأمثلة، مثل الطفل الذي يتعلم بالقراءة أو ممارسة التمارين. كلما زادت رؤيته للمواضيع أو تعلمه، تطور ذكاؤه.
هكذا، يتعلم الذكاء الاصطناعي المُدار بواسطة الخوارزميات من خلال ملاحظة كمية متزايدة من المعلومات. لذلك، لا «يفكر» الذكاء الاصطناعي بنفسه: بل يتعلم بالمراقبة.
على سبيل المثال، إذا عرضتَ على برنامجٍ ذكاء اصطناعي ما الكثير من صور القطط، فإنه يتعلم تمييز نوع القطة. ثم، عندما تعرض عليه صورة جديدة، يمكنه معرفة ما إذا كانت قطة أم لا.
نعرف أن AI مبنية على هذه خوارزميات التي تُدير وتُوجه “نظرتنا” للتعلم عبر البحث عن المعلومات بسرعة.
يتفوق الذكاء الاصطناعي على الدماغ البشري في قدرته على جمع وتوليف كميات كبيرة من المعلومات من مصادر مختلفة بسرعة، مما يوفر الكثير من الوقت خلال مرحلة البحث التي يقوم بها البشر.
ولكن أين تكمن المشكلة التي قد يُسببها الذكاء الاصطناعي؟ إنها ليست مشكلة واحدة، بل مشاكل عديدة تتعلق بالخوارزميات التي تُغذي هذا الذكاء. رأينا كيف تتم تغذية الذكاء الاصطناعي من خلال التدريب (مثل صور القطط).
إذا درّبت هذه الخوارزميات ببيانات تحتوي على معلومات خاطئة أو قواعد متحيزة، أو صور نمطية عن الجنس أو العرق أو الدين، أو أحكام اجتماعية أو تاريخية من منظور محدد، فإن الخوارزمية ستعيد إنتاج هذه الصور النمطية بشكل طبيعي ولكن بشكل متنامي وتُبرزها وتعود لتأخذها وتعيد انتاجها.
مثال: إذا استخدمت شركة الذكاء الاصطناعي للتوظيف، يُمكنها تحديد الملف الشخصي النموذجي لمن تبحث عنه في خوارزميتها من خلال «استبعاد، على سبيل المثال، السود أو العرب أو حتى النساء»، فسيتم رفض طلبات هذه الفئة تلقائيًا فلا تصل إلى الإدارة. يكون البرنامج قد «تعلم» استبعاد هذه الأنواع من الملفات الشخصية.
مثال آخر: غالبًا ما يُفاجأ أي شخص يرتاد مواقع التواصل الاجتماعي بقلة عدد الأصدقاء الذين يتابعونه، أو بالدائرة الضيقة التي تنتشر ضمنها منشوراته. مع الوقت أدرك الجميع أن الخوارزميات تُقيّد «مواضيع مُعينة» كإجراء إشرافي ولنقل أنها رقابة عبر الخوارزميات.
عند الوصول إلى مطارات العديد من الدول يتم أخذ صورة للمسافر، أو جواز سفره كل هذه الصور يتم تخزينها ضمن خوارزميات أمنية.
وتتم هذه الأمور أيضاً على الحواجز الأمنية في العديد من الدول مثل فلسطين المحتلة مثلاً. وهذ الخوارزميات يمكن أن تغذي المسيرات التي تراقب يومياً المواطنين.
السؤال: من يُقرر؟ من يُحدد المواضيع التي يجب حجبها أم لا؟
تُطبّق شركات التكنولوجيا العملاقة GAFAM (غوغل، آبل، فيسبوك، أمازون، ومايكروسوفت) (أو كانت تُطبّق) ما تُسمّيه «سياسة رقابة الاعتدال» (Human moderation). ومنذ انصياعها بشكل مكشوف إلى ترامب وحراك «ماغا» (Make America Great Again)، تُصرّح هذه الشركات، التي تمتلك كل منها ذكاءً اصطناعيًا خاصًا بها، بأنها توقفت عن رقابة الاعتدال للتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة ، إذا الذكاء الاصطناعي لهذه الشركات بات «إلى اليمين در»! ومعها كل أنظمة الذكاء الاصطناعي (مثل ChatGPT) وغيرها إذ أنها في حلقة مفرغة يتغذى الذكاء الاصطناعي من بعضه البعض.
من منظور سياسي، كان الغرب مركز العالم منذ الثورة الصناعية. ومع العولمة، أشار بعض الباحثين إلى أن هذه هي نهاية الهيمنة الغربية. ولكن أعادت الثورة الرقمية وظهور الذكاء الاصطناعي الغرب إلى مركز الهيمنة.
إنّ الحديث عن الجنوب العالمي من منظور اقتصادي أو عسكري أو من منظور سباق نحو المريخ أو القمر لن يُغيّر أسس الذكاء الاصطناعي، الذي «يتغذى» في كل لحظة مما هو موجود على شبكة النت، حيث تهيمن «الدوكسا» الغربية وكتابتها للتاريخ.
قد تمتلك الصين وروسيا ذكاءً اصطناعيًا خاصًا بهما، لكنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الجنوبية هذه «تغرف» باستمرار ببيانات مستمدة من كمّ هائل من البيانات والحقائق التي أُنتجت وصُنعت في الغرب.
فلا تستغربوا إذا بقيت صورتنا نحن العرب أو أنتم سكان هذا الجنوب دون تغيير في هذا الغرب، لأن الإعلام والدراسات والأبحاث في الغرب مبنية على بيانات قديمة تغذي نفسها من خلال الذكاء الاصطناعي الذي صنعته وتفلت زِمامه، ولا يمكن الإمساك بتطرفه أيا كانت النيات الحسنة لدى الباحثين وعلماء التاريخ والاجتماع. وكذلك مراكز البحث في «هذا الجنوب الشامل» فهو يعتمد على … نفس الشبكة.
من هنا لا عجب أن الرواية الإسرائيلية متجذرة في عقول الغرب ومن الصعب محاربتها أو إقناع الرأي العام الغربي بالحقوق الفلسطينية. فكل محاولة للبحث والتنقيب على الشبكة ستقع داخل ما سبق من «دوكسا» (doxa) ادخلها الذكاء الصناعي سابقاً لأنه «غرف من الموجود»… ليس هذا فقط، ولكن السؤال المطروح سيدخل أيضاً في شباك الذكاء الاصطناعي، وحسب الخوارزميات السابقة سيكون السؤال حجة تزيد من توجه المعلومات السابقة المتحيزة، والتي تدخل في نوع من الحلقة المفرغة تزيد من توجه الخوارزميات وهلم جرا…