- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

استراتيجية الأمن القومي الأميركي: طلاق مع أوروبا

بسّام خالد الطيارة

كانت هناك معاهدة وستفاليا (1648)، واتفاقيات يالطا (1945)، ولكن اكل ذلك في سلة المهملات. سيذكر التاريخ عام 2025 كنقطة انطلاق لعصر جديد من « MAGA ».

تحت عنوان “استراتيجية الأمن القومي”، تؤكد الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض يوم الجمعة 5 ديسمبر/كانون الأول هذا التغيير الاستراتيجي : ترامب يُفكك مبادئ القانون الدولي، ولكنه أيضاً وقبل كل شيء يُدمر التحالفات التقليدية التي لم تعد تُلزم واشنطن. هذا قطيعة تاريخية.

تُشير هذه الوثيقة الأمريكية الرسمية إلى غياب خصوم لأمريكا، ولكنها تُثير أيضًا تساؤلات حول العلاقة مع حلفائها التقليديين، وخاصة الأوروبيين. رتب ترامب إطار عمل جديد للعلاقات على المستوى الجيوسياسي والاستراتيجي والاقتصادي لعلاقة الولايات المتحدة مع بقية العالم. ويمكن القول إن ستارًا من « MAGA » يفصل الولايات المتحدة عن العالم.

يرتكز العنصر الرئيسي لهذه الاستراتيجية على مبدأ بسيط: يجب ألا تعتمد الولايات المتحدة أبدًا على قوة أجنبية في توفير المكونات الأساسية لاقتصادها والضرورية لدفاعها – من المواد الخام إلى قطع الغيار والمنتجات النهائية.

من هنا بعض النقاط – الأمن الاقتصادي، الذي يُمثل أساس الأمن القومي، يُعزز الاقتصاد الأمريكي بشكل أكبر.

– تأمين الموارد اللازمة (هذا يفسر تطلعات ترامب نحو إيسلندا وكندا ووسط أوكرانيا ومؤخراً فنزويلا وكولومبيا…)

– تعزيز النفوذ العالمي للولايات المتحدة من خلال مواءمة الدول والمناطق مع المصالح الأمريكية، والدفع نحو ذلك.

– فتح أسواق جديدة ولكن أيضاً خفض العجز التجاري ومكافحة العوائق الجمركية أو التنظيمية أمام الصادرات.

– مكافحة الإغراق والممارسات المناهضة للمنافسة التي تضر بالصناعات والعمال الأمريكيين.

– إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة  ضرورة « إعادة» الإنتاج الصناعي وجذب الاستثمارات الأجنبية.

– استعادة الهيمنة الأمريكية على قطاع الطاقة (في قطاعات النفط والغاز والفحم والطاقة النووية). وذلك عبر رفض الأيديولوجيات المتعلقة بـ « التغير المناخي ».

– الاستفادة من القوة الأمريكية وهيمنتها في مجال التمويل الرقمي.

ويأتي موضوع أوروبا في الفصل المخصص لـ…مكافحة الهجرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا. وتستخدم المصطلحات نفسها السائدة والمستخدمة في دوائر اليمين المتطرف الأوروبية. تُحذر الوثيقة أوروبا من “الغزوات” وخطر “محوها الحضاري”. ويبدو أن واشنطن تسعى إلى «استحواذ أوروبا أيديولوجيا» حتى تتمكن من استعادة «عظمتها».

لا تستخدم الوثيقة مصطلح «الاستبدال الكبير»، لكنها تنص عليه بشكل شبه مباشر فتكتب بأن أعداد الأشخاص الذين تقبلهم دولة ما على أراضيها سيحدد مستقبلها حتمًا. من هنا وجد يجب أن ينتهي عصر الهجرة الجماعية لأسباب حضارية ولكن أيضاً للحماية من الإرهاب، والمخدرات، والتجسس، والاتجار بالبشر.

ولكن هذا لا يمنع ترامب من التذكير بأن الصلاحيات الممنوحة للمؤسسات (شرطة وقضاء ومؤسسات حكومية  لا يجوز لها انتهاك حقوق أساسية مثل حرية التعبير، وحرية الدين والضمير، والحقوق السياسية، هي حقوق أساسية.

وهذه المقدمة موجهة أيضاً لأوروبا، إذ أن الوثيقة تشدد على معارضةً القيود «المناهضة للديمقراطية»، حسب قولها، التي تفرضها النخب على الحريات الأساسية في أوروبا وبين حلفائنا. تُظهر هذه الوثيقة أن خطاب نائب الرئيس جيمس ديفيد فانس في ميونيخ حين انتقد قوانين أوروبية تحارب اليمين المتطرف،كان بمثابة مقدمة لهذا الاستحواذ الأيديولوجي لـ«الحلفاء».

انتقاد أوروبا لا يتوقف أمام الايديولوجيا فهي فقدت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (من 25% عام 1990 إلى 14%) بسبب القوانين الصارمة والعابرة للحدود الوطنية. وهو ما يقود إلى «محو حضاري» لأوروبا. ومن وجهة نظر واشنطن، يقع اللوم على الاتحاد الأوروبي (الذي ذكر بالاسم)، ووصف المفوضية الأوروبية بأنها تسبب الصراعات، وتفرض الرقابة على حرية التعبير، وتقمع المعارضة السياسية، مما يؤدي إلى فقدان الهويات الوطنية مع تدفق الهجرة. وتخلص الوثيقة إلى أن «القارة ستُصبح بلا هوية خلال عشرين عامًا». ووتشدد على الرغبة ل »كي تبقى القارة «أوروبية»، وأن تستعيد ثقتها بحضارتها، وتتخلى عن هوسها بالقوانين الخانقة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة وتشبثها بالمبادئ الجامدة.

وتلتفت الوثيقة إلى الحرب الأوكرانية وتشير إلى أن هذا الافتقار إلى الثقة بالنفس يتجلى بشكل خاص في علاقات أوروبا مع روسيا. وهذا يحتم على واشنطن إدارة العلاقات بين أوروبا وروسيا ومشاركة دبلوماسية واسعة من قبل الولايات المتحدة، سواءً لاستعادة ظروف الاستقرار الاستراتيجي في القارة الأوراسية أو للتخفيف من خطر الصراع بين روسيا والدول الأوروبية. وتعلن الوثيقة الرسمية بصوت عالٍ وواضح أن من مصلحة الولايات المتحدة الأساسية التفاوض على وقف سريع للأعمال العدائية في أوكرانيا، من أجل استقرار الاقتصادات الأوروبية.

ثم، في نهاية هذه الوثيقة، يأتي الشرق الأوسط كمثال على مكافحة التطرف، وهو ما تشجعه السياسة الأمريكية، شريطة التخلي عن «التجارب الخاطئة» للولايات المتحدة في ترهيب هذه الدول، وخاصةً دول الخليج، لإجبارها على تغيير تقاليدها وأشكال حكمها التاريخية. وتشير إلى ضرورة الإشادة بالإصلاحات  من دون فرضها من الخارج. وترفع شعار«مفتاح العلاقة المثمرة مع الشرق الأوسط هو قبول المنطقة وقادتها ودولها كما هي!»

وماذا عن النفط؟ سيكون للولايات المتحدة دائمًا مصلحة أساسية في ضمان عدم وقوع إمدادات الطاقة الخليجية في أيدي عدو مُعلن (النظر إلى الصين… التي لم يُذكر اسمها)، وأن يظل مضيق هرمز مفتوحًا، وأن يظل البحر الأحمر صالحًا للملاحة، وأن تظل إسرائيل آمنة.

من هنا يجب على واشنطن أن تكف عن الانخراط في عقود من الحروب العقيمة من أجل «بناء الدول على نمط لا يصلح لها»، وعليها ضمان امتداد اتفاقيات إبراهيم إلى دول أخرى في المنطقة ودول أخرى في العالم الإسلامي.