بسّام خالد الطيارة
لا يختلف إثنان على أن الصحافة العربية بكافة أشكالها منقسمة إلى ضفتين ولا حاجة للاحراج بوصف تلك ضفة أو تلك الضفة الأخرى… يعرف كل من يتابع أي ميديا ورقية أو مرئية أو حتى مواقع معينة على الشبكة على أي ضفة «يقف».
من هنا لن نضحك على بعضنا البعض ولن نحاول الالتفاف حول واقع الانتماء الذي هو واقع مواقف سياسية ووجدانية وفي بعض الأحيان حزبية وكذلك في العديد من الحالات تكون المواقف نابعة من غشاء ديني.
توجد قلة متخصصة تتابع ميديا الضفتين سنتركها جانباً من ناحية «القراءة». ونتناول أهداف كتابات الصحافة الحاملة لأخبار الصراع في المنطقة!
« لِمَن تكتب؟» نعم سؤال يطرح نفسه في الإعلام المكتوب بشكل عام! «إلى من نَتوجه؟» «ما هو بروفيل المتلقي؟» هذه الأسئلة تتوجه إلى الضفتين. ودراسة هيكلية الأسس التي تُبنى علي أساسها الكتابات متشابهة. إذا أردنا تحسين البحث بشكل أكثر تعمقًا (refine the search in more depth) لنأخذ «موضوع اسرائيل»!
نضع جانباً مسألة من تبقى من العرب، دول وأفراد معاد لإسرائيل! رغم أن هذه المسألة، أي انتقال من العداوة إلى التحالف مروراً بتقبل العدو يمر بشكل لا مجال لنفيه بما يقرأه المطبعون في … صحافتهم بعد الانتقال إلى ضفة التطبيع، وما يقرأه المقاومون قبل الانتقال إلى ضفة التطبيع!
إذا هم من كلا الضفتين: الراضي والمطبع يقرأ في «صحافة ضفته» ما يزيده قناعة بأنه محق بالقفز فوق العداوات.
أما «المتردد» أو «المقاوم للتطبيع» يقرأ في «صحافة ضفته» ما يشجعه على التطبيع والانتقال إلى الضفة المقابلة!! ولكن كيف يكون هذا وهو يقرأ في صحافة ضفته المقاومة؟
نجد أن معظم الصحافة اليومية المكتوبة أو المتداولة على موقعها الإخبارية تكتب «كل شاردة وواردة» عن اسرائيل. الأمثلة كثيرة ومتعددة.
نسأل: لماذا؟ يأتي الجواب بشكل «حكمة سياسية»: أعرف عدوك!
اعرف عدوك أم … «تمنى أن تكون مثل عدوك؟»
نقرأ في إعلام عربي وكأن في الأمر تشفي من خلل هيكلي عند «عدوك» سيجعله ينهار من دون … معركة ولا مقاومة ولا من يقاومون. هذه الشماتة ما هي إلا تعبير عن ضعف وتنفيس لرغبات يعجز المواطن العربي عن تعبيرها.
لنأخذ هذه العناوين الثلاثة وهي بعض من كمٍ في الاسبوعين السابقين لنشر هذه المادة :
* وسائل إعلام إسرائيلية: نتنياهو يطلب إلغاء جلسة محاكمته الإثنين المقبل بسبب جدول أعمال أمني وسياسي طارئ…
* تظاهرة في “تل أبيب” ضد حكومة نتنياهو: لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في إخفاقات 7 أكتوبر…
* مستوطنون يتظاهرون في “تل أبيب” ضدّ حكومة بنيامين نتنياهو…
* صحيفة إسرائيلية تتحدّث عن نقاش عاصف في مكتب نتنياهو ينتهي برفض “الجيش” كل مقترحات التسوية المتعلقة بـ … وسط خلافات حادة داخل المنظومة الأمنية والسياسية.
ماذا ؟ عند عدوك إمكانية محاكمة رئيس الوزراء ؟ وإمكانية التظاهر ؟ ماذا؟ إمكانية المطالبة بتشكيل لجان تحقيق بإخفاقات معينة؟
ماذا؟ الصحافة تنقل ما يدور من صراخ في مكاتب المسؤولين ؟
ماذا؟ جبش يرفض مقترحات تسوية… دون أن يبادر لانقلاب؟
يحصل عند هذا «عدوك» ما لا يمكن أن يحصل في «منام أي مواطن إلى أي ضفة انتمى»!
لا يجب النظر في مرآة مبدأ أعرف عدوك لأنها ستعكس وجه بشع لمجتمع مكبل ومأزوم لا حرية لديه. لأنه عبر مطالعات ما يحصل عند «عدوك»، ستعرف عدوك جيدا وسترى الشق الذي يفصل بين كلا الضفتين الممانعة والمطبعة من جهة وبين هذا «عدوك» من جهة أخرى.
من هنا لا عجب إذا بدأ ميزان الصراع يميل نحو كفة ضفة التطبيع.
ضفة المقاومة تتمسك بمبادئ حقوقها التاريخية سياسيا و… جغرافياً، ولكنها لا تلتفت إلى غياب عامل الحرية الذي يعطي المجتمع جرعات القدرة على النزاع.
ولكن غياب عامل الحرية موجود أيضاً في ضفة التطبيع وبقوة. لا ضرورة للإشارة بالأصبع يكفي أن نأخذ لائحة الدول الموقعة على اتفاقيات «مخيم داوود» وثائق «إبراهيمية» لنرى غياب عامل الحرية الذي هو محرك نجاح وهيمنة … «عدوك».
فهل كُتِبَ تاريخ هذه الأمة بأحرف أبجدية سقطت منها حروف الحرية.