- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

‫بلع العربي حذاء‬ه

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

جاء «الربيع العربي» ليذكر العرب بقول الضفدعة «في فمي ماء، وهل ينطق من في فيه ماء». كشفت التقلبات الأخيرة كل نقاط ضعف العالم العربي والشعوب العربية والحكومات العربية والإنسان العربي، وبينت للجميع أن قطار الحداثة تجاوز هذه المجتمعات وتركها على رصيف الانتظار والتخلف… أيا كان تاريخ العرب الغابر والمجيد فهم اليوم خارج التاريخ ودمية تتلاعب بها الأمم التي تضع نصب عيونها مصالحها ومستقبل أجيالها ودورها في التاريخ الفاعل.
دخل العرب العولمة من الشباك، اعتبر العرب أن مجرد وصولهم إلى «الشيء التقني الحديث» يجعلهم حداثيين ومتقدمين. يحصل هذا في كل المجالات. تستورد الدول العربية التكنولوجيا «بأسعار خيالية» للاستفادة من ٥ في المئة من قدراتها في غير محلها. يشتري الحكام العرب السلاح الأغلى والأكثر تقنية لـ«عدم خوض الحروب» ويقدمون ما لا يستطيعون استعماله في القمع الداخلي لشعوبهم هدايا لصدأ ولمخازن المليئة بالغبار بعد أن ينتزعوا من هذه الصفقات كل «عمولة ممكنة».
دخل العرب عالم «الديموقراطية» وهم يمشون على رؤوسهم. تحدث عن الديموقراطية العربية أمام أي «كائن حي غير عربي» فقد تصيب منه مقتلاً من شدة الضحك. بالطبع لن يضحك أمامك عندما تكدس أموالك على طاولة أمامه. سوف ينتظر أن تدير ظهرك ليقهقه عالياً وبقوة ممسكاً بخاصرتيه وعيناه تلتهمان أموالك أيها العربي. فهنيئاً له.
لنتكلم «بين بعضنا البعض نحن كعرب» أي ديموقراطية يتحدث عنها الحكام؟ أي عدالة يتكلمون عنها؟ أي أخلاق يشيرون إليها؟
أصابعهم اليوم موضوعة على الجرح السوري، يحاولون وقف نزيف الدم السوري ولكن هل أصابعم نظيفة ومطهرة؟ حليفهم في الملف السوري هو «فساد هذا النظام ودمويته وديكتاتوريته».
كل معلق يتردد قبل الكتابة عن الحالة السورية. يريد أن ينتقد «كوميديا العرب»، ولكنه يخاف أن يتهم بدعم الديكتاتور. وكل كاتب يرى حكام العرب يتباكون وينتحبون على «فيتو روسي وحيد لسوريا» ولم تذرف لهم دمعه واحدة على «٦٨ فيتو أميركي لإسرائيل»، هذا الكاتب يتردد بالتنبيه إلى «كوميديا هذا التصرف» لأنه يعرف بأن «نظام الأسد لا يمكن الدفاع عنه».
المتباكون أيضاً يدركون هذه الحقيقة.
والعالم الذي يضحك على العرب يدرك مأزقهم، فيما هو يبحث بين المتباكين على ضحيته المقبلة التي سوف يتكئ عليها الآخرون لينددوا بها عندما يحين دورها.
العالم يرسم سياسته التي لا تأخذ بالاعتبار هذه الشعوب العربية العاجزة عن الإمساك بمصيرها. هذه الشعوب هي إما خاضعة للعمى القومي الذي لا يرى ما تخبئه الشعارات من تزلف وخيانة لأهدافها، أو خانعة لثقل الدين والطائفة والمذهب فباتت متخشبة التفكير.
شعوبنا العربية تعيش انفصاماً في شخصيتها تلونه بتفاخر فارغ لا يدل إلا عن نقص. نصف حكامهم يقول بعولمة الديموقراطية من دون أن يفقه ما تعنيه، وخصوصاً أنه منغمس في ديكتاتورية لا تقول اسمها، والنصف الآخر يتفاخر بمقاومة دونكيشوتية للعالم كله يلونها بقمع عنيف وديكتاتورية تتنافس مع ديكتاتورية النصف الشقيق.
لقد ضرب الحكام العرب شعوبهم طيلة عقود بأحذيتهم، روضوها. أفسدوها. أدخلوا في نفوسها الانفصام والأمراض النفسية، وسدوا أفواهها.
النظام السوري فاسد ويجب إزالته ودعم الحريات الأساسية لشعبها البطل. ولكن الحكام العرب الذين يطالبون بذلك ليسوا أفضل من هذا النظام. هذا بديهي ولكننا لا نستطيع قوله لأن في فمنا حذاء وهل ينطق من في فيه حذاء.