- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“وعاء” الديكتاتوريين

نقطة على السطر

بسّام الطيارة
القصة: بيضتان في وعاء ماء تحته نار. ما أن سخنت الماء حتى صرخت بيضة «آه سوف ننسلق من غليان الماء»، فما كان من البيضة الثانية إلا أن صرخت بدورها فزعاً «يا إلهي بجانبي بيضة تتكلم!».
قصة البيضتين مثل قصة حكام العرب الغاطسين في نفس الوعاء الساخن، وعاء القمع الدموي والفكري المليء بحريات مكبوتة وفساد ومحاباة: ديكتاتور يصرخ إنها ثورة أو مؤامرة أو انتفاضة. فيهرع «نظيره» ليصيح متعجباً من أن “ديكتاتوراً يستطيع أن يستغيث”.
لا نسمع عند حكام العرب كلمة حرية أو ديموقراطية إلا عندما يتكلمون عن «إخوانهم العرب»، ولا نسمعهم ينطقون بحديث عن مؤامرة أو خيانة إلا عندما يتكلمون عما يعتبرونه «أمرهم الخاص» أي بلادهم. يعتبر أي حاكم عربي شعبه وكأنه كتلة واحدة وراء كلمته يوافقونه في ما يقول ويتبعونه في ما يفعل. لا يخطر ببال أي من هؤلاء الحكام أن يسأل شعبه يوماً ما يريده.
السياسة الداخلية عند هؤلاء الحكام هي عبارة عن «هدايا خدماتية لاجتذاب رضى بعض المواطنين الذين يشكلون حاشية النظام والذين عبر هداياهم لحاشيتهم يمسكون بمفاصل البلاد، إذ لأفراد هذه الحاشية حاشية أقل مرتبة يوزعون عليها فتات ما وصلهم. وهكذا دواليك حاشية الحاشية تدين بالنعمة لها، والأخيرة تدين بالنعمة للحاكم. أما أهداف التنمية والتقدم وبناء المدارس والجامعات والمصانع وشق الطرقات مربوطة كلها بـ«مردودها» من عمولات وفساد مالي ونهب للثروات الوطنية»، مثلها مثل صفقات السلاح التي لا تأخذ بعين الاعتبار إلا نسبة الـ«كومسيون» التي سوف تدخل في حسابات الزعماء في الجنات الضرائبية.
في السياسة الخارجية الاهتمام لا يتغير، المصلحة الشخصية تعلو فوق كل مصلحة وطنية. التزلف لـ«الأجنبي» هدفه واحد السكوت عن فساده وفساد حاشيته وشجعه الذي لا حدود له. من أجل كسب «عطف» هذا الـ«أجنبي الشريك في الجريمة تجاه الشعوب»، فهم قادرون على القمع والبطش واختلاق الأعذار والحجج لإبقاء سيطرتهم على شعوبهم: الإرهاب من جهة وفلسطين من جهة أخرى والطائفية المذهبية من الجهتين.
ديكتاتوريون يحكمون والـ«أجنبي» يتفرج طالما مصالحه مؤمنة من هؤلاء الدمى. عاش عالمنا العربي قصة غرام الـ«أجنبي» بحكام طيلة عقود (مبارك والقذافي وبن علي وعلي عبدالله صالح والأسد) حيناً بحجة تعاون أمني ضد الإرهاب وأحياناً بحجة رفع السدود بوجه السلفية، الحجج مغلفة بصفقات سلاح وعقود تجهيزات أمنية تستعمل لقمع الشعوب. واليوم يتردد مشهد الغرام بحجج جديدة بانتظار تمدد السلفية والتكفيريين الذين غابوا (اليوم) من خطاب الـ«أجنبي».
ديكتاتور جديد يحل محل ديكتاتور سابق. ديكتاتوريون قدماء يجددون دهان خطابهم بفعل اللعبة الجديدة التي تستهدف «نظيراً لهم». مثل البيضة الأولى يصرخ الديكتاتور «أنها ثورة سوف تحرقنا»، ومثل البيضة الثانية يهلع الديكتاتور الثاني فيصرخ «يا إلهي ديكتاتور يتمرد».
الوعاء واحد وهو يغلي بألم الشعوب وأيا كانت قوة مقاومة الديكتاتوريين فإن غداً لناظره قريب.