- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

قصّة فلسطين: دولة أم أرض؟

زاوية حادّة

حسام كنفاني
قبل 63 عاماً سُرقت الأرض وتاه الكيان وتشتت الأهل. قبل هذه السنوات الطولية كانت الأرض تمتد طويلاً من الشمال، حيث الجبال اللبنانية والسورية، إلى الجنوب لتحاذي الصحراء المصرية. كانت الأرض مداداً عربياً لأصحابها، الذين كانوا يسعون إلى التخلص من الانتداب البريطاني. لم يكن في ذهنهم ان الاحتلال المؤقت، سيصبح سرقة أبدية وصراعاً يشعل الشرق الأوسط أجيالاً وأجيال.
قبل 63 عاماً، كانت كل مقوّمات الدولة حاضرة، من سلطات محلية إلى مجالس تشريعية، وحتى قوى أمنية قوامها أبناء البلاد الأصليين. لم يكن يشغل بال الفلسطينيين أن لا دولة حقيقة موجودة، وأن لا عضوية للكيان في العصبة الأممية التي سبقت قيام الأمم المتحدة. كان الحلم أن تحظى الدولة أولاً بكينونتها، ومن ثم تأتي عضوية المؤسسات الدولية، سواء كانت أمماً متحدة أو متفرقة او صندوقاً للنقد أو للدين، او محكمة للجنايات الدولية او للاستنسابية. كلها مسائل لم تكن للفلسطينيين على بال، كان الأساس هو قيام الدولة على أرض الواقع.
عبرت السنون، وشيئاً فشيئاً خرج الحلم من أيدي المناضلين، الذي رفعوا لواء المقاومة منذ الثورة العربية في العام 1936. جاء قرار التقسيم في العام 1947، ليعطي العرب الجزء الأكبر من فلسطين. لكن الرغبة كانت في فلسطين كاملة. سقط القرار عند حرب النكبة، وسقطت الاراضي وضاع أكثر من النصف، ولم يتبق للفلسطينيين إلا 22% من الأرض، الممثلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. كانت المطالبة حينها بالعودة إلى قرار التقسيم، لكن لا حياة لمن تنادي، واضطر العرب والفلسطينيون إلى الوقوف عند حدود ما بات يسمى اليوم الخط الأخضر. لكن هذا أيضاً لم يدم طويلاً، وحتى الجزء البسيط من الأرض ضاع في سياق “النكسة”، وهي من العربية المخففة للهزيمة والمذلّة التي رافقت الكيانات هذه منذ ولادتها.
تحولت المطالبات بعد ذلك إلى حدود 1967، أي الـ 22% من الأرض، التي بات العرب والفلسطينيون قانعين بأنها الغاية النهائية للأرض السليبة. لكنها إلى اليوم بقيت كلها، بنسبها المتعددة، واقعة في دائرة الاحتلال والاستيطان، حتى ما بعد اتفاقيات أوسلو، التي كانت غايتها استرجاع هذا الجزء اليسير، لم تلفح وسقطت الأرض مجدداً، ودخل تاريخ جديد على قاموس التواريخ الفلسطينية. تاريخ 28 أيلول/سبتمبر 2000. الكثيرون لا يذكرون هذا التاريخ المصادف لاندلاع الانتفاضة الثانية واجتياح القوات الاسرائيلية للأراضي التي كانت تحت سيطرة السلطة الوليدة، لتصبح بعد ذلك المطالب بالعودة إلى حدود هذا التاريخ، ولا تزال.
هذه سيرة مبسّطة لأرض سليبة لم يتسن لها ان تكون دولة. وها هي اليوم على اعتاب الأمم المتحدة تتسول الرضى الأميركي والدولي لنيل العضوية، ولو الرمزية. تسوّل على الأرجح انه لن ينجح. وحتى لو نجح، ماذا ستربح فلسطين من مقعد في الأمم المتحدة، بينما أراضيها المستقلة لم تقع على الخريطة بعد؟
لم تكن القضية الفلسطينية يوماً صراعاً على قيام دولة، بل قتالاً على استرجاع الأرض. وبالتالي لا يمكن اختزالها في أصوات دول غير قادرة على المساهمة في إعادة الحق إلى أصحابه. ومن المؤكد أن “دولة” الأمم المتحدة، التي لن تقوم، لن تعيد الأرض.هأهل