- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“لأن جسدها” لنعيم تلحوق: الموت واللذة وتاء التأنيث

معمر عطوي

منذ “قيامة العدم” بدأ الشاعر اللبناني نعيم تلحوق سستامه الشعري وفق سياق منتظم اتبع فيه مجموعة دلالات فكرية وتاريخية تنهل من عالم التصوف وتصب في معين اللغة.

ولأنه بدأ مجموعته الأولى بقصيدة “قيامة العدم”، التي لها دلالات أنثوية وانتهى بالمذكّر مع “هو الأخير”، بدأ مجموعته الثانية كذلك بالمذكّر بـ”أظنه وحدي” ولم ينته بـ”لأن جسدها” لأن هناك ديوان أخير في هذه المجموعة ينتهي عنوانه بالتأنيث أيضاً عنوانه “شهوة القيامة”.

هذه هي لعبة تلحوق الذي أصدر أخيراً ديوانه الجديد ما قبل الأخير في مجموعته الثانية، بعنوان “لأن جسدها” عن دار فكر للأبحاث والنشر في بيروت.

وكما عوّدنا الشاعر، تأتي كلماته أحياناً قاسية ومعقّدة مثل برد الجبل الذي نشأ وترعرع فيه. لكن في ديوانه الأخير اعتمد اسلوباً مختلفاً فنزل قليلاً من عرش الفلسفة والعرفان الى عالم الواقع، مع ربط هذا الواقع بما بعده لا سيما الموت. ففي ديوان “لأن جسدها” تجد الموت يتكرر في معظم القصائد الى جانب اللذة التي أخذت حيزاً مهماً من لغته. لعله قصد بذلك الربط بين الموت واللذة او ما يسميه لذة الموت. فهو لا يحب الاستسلام لمقولات غريبة تصوّر الموت كعملية معاقبة للانسان أو الانتقال به الى عالم سيئ، هو يعتبر أن الموت لذة لأنه قد يتجاوز بالانسان حيز العذاب الموجود في هذا الواقع وربما يريحه، لذلك يرجّح الشاعر علاقة الموت باللذة وليس بعقاب أو جحيم كما تصور الأديان وبعض الفلسفات. يقول في قصيدة “جلالة”: جسدي لم يعد لي، أريد أن أموت؛ كي أراكِ، كيف سيحتمل الزمان، وأنتِ خارج الهواء، تطّهرين جروح المكان، برضاك؟!”.

يبدأ تلحوق ديوانه الجديد بمقدّمة تعريفية يغلب عليها التفلسف، يقول في هذه المقدّمة تحت عنوان “لمن يهمه الأمر”: لأن جسدها مجموعة جديدة تتحين الانقضاض على فريستها العاشرة: “شهوة القيامة” لتكون اللعبة التشكيلية لوناً وحرفاً وأسلوباً قد اكتملت… فجاء الحلاج يعاتبني على التقريظ اللغوي الذي حملته المعاني صوراً مختلفة نثراً وشعراً وفسلسفة… لكني استدللت ابن عربي في خطابي نحو تشكيل ذهني معرفي لمعنى الكتابة..”

أما القصيدة الأولى في ديوانه بعنوان “تمرين” فتبدو وكأنها براءة ذمة للكاتب من سيطرة العشيرة، فهو يعلن على غرار حمزة بن علي قاتل الحاكم بأمر الله، تحرره من سيطرة الجماعة والزعيم لينطلق في قصائده الأخرى محلّقاً بين الموت والشهوة وتاء التأنيث التي أراد بها دلالة على اشياء عديدة يرمز اليها بجسد الانثى بينما هي تمثل الأرض والحقيقة واللذة والقضية وكل ما يمكن اسقاطه وفق الدلالات السيميائية للجسد.

القصيدة الأولى بعنوان “تمرين” يقول فيها: مرّنت نفسي على الحظ، فلم أقدر… عدت لأمرّنها على قتل العشيرة، فوافق ظني معي، وبدأت برحلة إلى المقطّم (الجبل الذي دفن فيه الحاكم بأمر الله الفاطمي)،  فدعوت الحاكم للانصراف وأحرقت كتب حمزة، بعد اعتقال… سلّمته الى شرطة الوحي، قبل امتثال… كان ذلك نيابة عن العزيز، والمُعتّز، والمُعزّ… وبدأت الاعتراف.

ثم تأتي اعترافات تلحوق في قصائد وزّعها على فصلين الأول بعنوان “وطن هارب من دمي” ويضم عشرين قصيدة والثاني بعنوان “جسدٌ يصرخ للضوء: تجسّد!!!” ويضم إحدى عشرة قصيدة.

وفي قصيدة “لأن جسدها” يقول “تنهبين دمي، تفيضين بي، أستعير كبوتك كي ينام عشقي خلفك… وأفعل بحالي ما يفعله بالُكِ بي،  لتستيقظ الرحمة، ويراقصني الغفران، ما كنت أعلم أني سأُقتل كثيراً، لأستقيل من جسدي، تعاندني روحي، لأعاقر بُردتها، فيدركني صباي، “أخرج منها الى المجاز، كن جسدها، وأسقط في المتاه” وهو… يراقب بي سكرة الأيام…”

تلك هي لغة نعيم تلحوق التي بدأت بالتصوف وانتهت باللذة لعلها لذة الحياة أو الموت المخلّص كما يراه الشاعر.