- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لتحيا المؤامرات

معمر عطوي

لا يتميز أي حراك عربي منذ عقود طويلة بمبادرة ذاتية نابعة عن تخطيط ورؤية، بقدر ما هو مجرد ردة فعل على فعل أو استفزاز أو بالون اختبار من الطرف الآخر، الذي يراقب النتيجة على طريقة علماء الفيزياء، في حين تنتهي ردة الفعل مع تلاشي حالة الانفعال.

ردة الفعل هذه كانت دائماً تخرج الى الواجهة مع أي اعتداء أو مبادرة سياسية مشبوهة أو مؤامرة مُحاكة بجدارة، أو موقف طارئ. ومن سوء طالعنا أننا لم نتعلم من التاريخ ولم نصل الى مرحلة الفعل واتخاذ الاجراء الاستباقي لتلافي وقوع الأزمة. بل واصلنا سياسة ردة الفعل وسياسة الغضب الذي يدمّر الذات ويخدم الآخر، واستسلمنا لمقولات المؤامرة، جانحين الى لغة التخوين والتهديد والتكفير من دون أن تكون لنا خططنا البديلة لوقف مفعول المؤامرة. وربما كنا من خلال سياستنا القائمة على الانعكاس لا الخلق، نتسبب في استعار المؤامرات ضدنا على طريقة «المال السائب يشجّع الناس على السرقة»؛ السياسة الأمنية السورية دفعت بعض المعارضة لطلب التدخل العسكري الغربي وهذا الطلب نفسه استخدمته السلطة مسوّغاً لقتال «الخونة».

ثمة صور كثيرة بدأت تتمظهر بشكل صارخ في العالم العربي لردة الفعل هذه التي قد نجدها اليوم في لجوء بعض المعارضين السوريين من الطائفة السنية، الى التسلح بغية الانتقام من حقبة علويّة سيطرت لسنوات على مفاصل الجيش والأمن والسلطة في البلاد، متناسين أن العديد من الشخصيات السياسية والتجمعات الاقتصادية والدينية المنتمية الى طائفتهم كانت بدورها سنداً وجزءاً اساسياً من النظام الحاكم.

في المقابل، بدا بعض السوريين، وخصوصاً الأقليات، أسرى لتخويف النظام من حركة سلفيّة جهادية تجتاح بلاد الشام، فانضموا الى صفوف النظام بهدف الدفاع عن أنفسهم من هؤلاء التكفيريين الزاحفين نحو عاصمة الأمويين.

سلفيّو لبنان، مثل «أخوانهم» في العديد من الدول العربية والإسلامية، كانوا يتحركون بردة فعل على رسوم كاريكاتيرية رسمها أحد المغمورين في صحيفة أوروبية فاندفعوا الى الشارع محدثين الخراب والفوضى بصورة تسئ الى الرسول والى الاسلام بأضعاف ما اعتبروه اساءة من رسم كاريكاتوري.

وهم الآن يتحرّكون ضد النظام السوري كردة فعل على ما يقوم به النظام، في حين يتحرك بقايا حزب “البعث” ضدهم للقول بأن معارضة نظام دمشق ممنوعة حتى ولو بصورة سلمية وديموقراطية.

بالقدر نفسه، يدعم “حزب الله” النظام السوري من منطلق تخوفه من سيطرة الاخوان المسلمين والسلفيين على الحكم الذي طالما كان داعماً لمقاومتهم ومسهّلاً لخطوط امداداتهم اللوجستية.

ردة الفعل هذه التي جعلت حزب المقاومة يقف مع الظالم ضد شعبه، سبّبت ردة فعل أخرى لدى الشعب السوري المظلوم والذي طالما كان خزاناً داعماً للمقاومة، فانقلب عليه ليحرق صور زعيمه وليتحول رد الفعل هذا الى حالة حقد أعمى ضد كل ما هو شيعي وما هو فارسي.

ردة الفعل هذه لطالما كانت وليدة لحظتها ومحدودة الأجل. لكن ما يحدث الآن في العديد من الدول العربيّة ينذر بوقوع شر مستطير، لأن سياسة الكيل بمكيالين، التي طالما كنا نصف الغرب بها، أصبحت متغلغلة في دمنا، بل أضحت أحد اخطر المفارقات وأبعدها عن العقل والمنطق. إذ كيف يمكن لإيران أن تقف مع المظلوم في اليمن والبحرين والسعودية ولا ترى الشعب السوري سوى مجموعة مسلحين تشترك في مؤامرة لدحر نظام«ممانع»؟

كيف يمكن للسعودية أن تنظر الى مواطنيها في المناطق الشرقية والشعب البحريني الذي لا يطالب سوى ببعض الحقوق والاصلاحات، كمجرد عملاء ايرانيين، فيما تركّز كل هجومها على القمع في سوريا وكأنها هي نفسها أنظمة ديموقراطية متقدمة تحترم حقوق الانسان وتؤمن بالتعددية الدينية والسياسية؟

الحقيقة أن الجميع يتصرف بردة فعل وبانفعال، حتى باتت المرأة المنقّبة تسخر من لابسة «التشادور» والعكس بالعكس، مع العلم ان الاثنتين متشابهتان في الكثير من النقاط. أليست مفارقة مضحكة أن يسخر أبناء “حزب الله” من السلفيين أو ابناء “الاخوان المسلمين” من “حزب الله”، هم جميعاً يتفقون على نفس الثوابت ويؤمنون بنفس الترهات، فيفرضون الحجاب على المرأة ويحرّمون حلاقة ذقن الرجل ويمنعون المتاجر من بيع الكحول ويمتنعون عن بث أغاني النساء حتى لو كانت وطنية وثورية ويمتنعون عن مصافحة النساء والاختلاط. لا شك أن الأمة تعيش لحظة انحدارها وذروة تخلفها، وقد يصح المثل هنا أن شر البلية ما ُيضحك. لعلنا لو بقينا نتصرف على طريقة ردة الفعل ستكون النتيجة صرخة بأعلى الصوت: «لتحيا المؤامرات».