- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

النموذج اليمني والدوامة السورية

جمانة فرحات

الدول الغربية حائرة في أمرها. تبحث عن حل للأزمة السورية يقيها التدخل العسكري المباشر ويحقق أقسى أمانيها باسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الخيارات تكاد تكون معدومة. النموذج الليبي غير مجدي. فبلاد الأمويين تحتل موقعاً جغرافياً استراتجياً في خريطة العالم العربي والشرق الأوسط يستوجب الحذر، ولذلك فإن حماس الدول الغربية للانخراط في عمليات عسكرية مباشرة واسعة النطاق في سوريا متدني ويكاد يتلاشى يوماً تلو الآخر، مدفوعاً بضعف المعارضة وتراجع الجيش السوري الحر أمام الجيش النظامي، فضلاً عن أن المعطيات القادمة من ليبيا تزيد من التوجس، حيث السلاح الذي وصل إلى أيدي المعارضين لقتال الزعيم الليبي معمر القذافي وقواته تحول إلى سلاح تتقاتل به الميليشيات العسكرية فيما بينها.

النموذج المصري تبدو حظوظه ضئيلة أيضاً. فسيناريو “الانقلاب العسكري” الناعم وإن كان الأنسب للأزمة السورية في مرحلتها الراهنة، يبدو بعيد المنال. جنرالات الجيش السوري، المنتمون في اغلبهم إلى الطائفة العلوية، يدركون أن بقاء الرئيس بشار الأسد يعادل بقاءهم. وهم وإن فكروا بخيار الانشقاق لن يجدوا من يتلقفهم في الطرف الآخر. فالمعارضة السورية، وتحديداً الممسك منها بزمام القرار السياسي والعسكري، تكاد طائفيتها وعنصريتها تغطي على الثورة السورية وأهدافها، معززة من هواجس جنرالات الجيش ودافعةً اياهم للتمسك بالأسد.

أمام تراجع حظوظ النموذجين الليبي والمصري وصعوبة اعتماد الخيار التونسي بعد ظلال العسكرة التي تطغى على الثورة السورية، لم يترك من مجال سوى النموذج اليمني. المنادون به يحاججون بأن عوامل الشبه بين ما جرى في سوريا واليمن خلال الأشهر الطويلة الماضية كثيرة ويمكن الركون إليها.

فمن جهة النظام، أثبت كل من الرئيسين اليمني، علي عبد الله صالح، والسوري بشار الأسد، قوتهما على الأرض وقدرتهما على الصمود من جهة والمناورة من جهة ثانية. ونجح الرئيسان في تحويل الثورة إلى أزمة. كما ان النظام السوري يعتمد على قاعدة شعبية لا زالت حتى اللحظة تؤيده، إن اقتناعاً به بوصفه الخيار الأنسب أو خوفاً من المجهول المتجسد في بديله. ولذلك لا حل من دون تسوية سياسية يرضى النظام بالسير بها.

عامل مشترك آخر يتمثل في استراتجية موقع البلدين والدور الاقليمي والغربي فيهما، في حين يتجسد الاختلاف في مدى التغيير الذي يرغب الخارج بحصوله. ففي اليمن، مصالح سعودية وأميركية لم يكن بسببها من الممكن للرياض او واشنطن أن تسمح بحصول تغيير جذري في اليمن يضرب بنية النظام. ولذلك، جهدت الولايات المتحدة، مستعينة بالدور السعودي في اجبار المعارضة السياسية وتحديداً المرتبط منها بالمملكة للتوقيع على تسوية سياسية تمثلت في المبادرة الخليجية التي أدت إلى تنحي صالح وبقاء النظام بكامل اركانه.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فها هو السفير الأميركي، جيرالد فايرستاين يتحول إلى حاكم بأمر اليمن، من خلال تصريحاته و”أوامره” شبه اليومية التي يصدرها للسلطتين السياسية والعسكرية في البلاد، وبالطبع فإن هدفها الأول حماية وضمان المصالح الأميركية في اليمن الذي كان يوماً ما سعيداً بثورته. وها هو يتحول في ظل تخاذل المعارضة السياسية، وتراجع دور الشباب المنخرط في الثورة إلى خاضع للوصاية الدولية المتعددة الأطراف.

ضمن هذا السياق لا غير، يأتي الحديث عن النموذج اليمني وأهمية اسقاطه على الحالة السورية التي يوجد اجماع بين معارض النظام ومؤيده على أن الغرب يريد أن يشهد تغييراً في سياستها الخارجية. اما امكانية تطبيق النموذج اليمني، فهي مسألة لن تكون بالسهولة التي تمت في اليمن. فصحيح أن المعارضة السورية، القابضة على القرار السياسي اليوم، وتحديداً المجلس الوطني، يمكن ممارسة ضغوط عليها من قبل الادارة الأميركية أو حتى السعودية وقطر، متى حانت لحظة التسوية للرضوخ والتوقيع، إلا أنه على الجانب الآخر لا يبدي النظام السوري اي استعداد لمثل هذه التسوية في الوقت الراهن، فضلاً عن أنه لا اوراق اعتماد مقدمة من الرئيس السوري إلى الادارة الأميركية أو السلطات السعودية على غرار الرئيس اليمني تجعل من الأخير عاجزاً عن الاستمرار في المناورة إلى ما لا نهاية. أما الحل، فبات محصوراً بين خيارين لا ثالث لهما على ما يبدو، فإما نجاح أحد طرفي النزاع في الغاء الطرف الآخر، وإما غوص الجميع في حرب أهلية يبدو أن لا مناص منها.