- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لبنان ليس “الواق الواق”

جمانة فرحات

في بلاد “الواق الواق” كان يمكن لشيخ ذي خطاب مذهبي أن يدعو إلى تظاهرة في قلب عاصمة البلاد. السلطات ستضطر إلى استيعابه رغم ادراكها لسيئاته. فتمنحه الترخيص اللازم للتظاهرة وتؤمن له الحماية ولأنصاره. في اليوم الموعود للتظاهرة، وفي بلاد “الواق الواق” أيضاً، تعلو الاغاني أو الاناشيد، تتلى الخطب، يصفق الجمهور أو يكبر تماشياً مع الهوية الدينية لصاحب الدعوة. بعد ساعات تنفض التظاهرة ويعود الشيخ ومريدوه إلى ديارهم سالمين غانمين. ومن تظاهر يكون قد تظاهر. ومن فضل تجاهل التظاهرة قادر على تجاهلها. وهكذا تسير الحياة بسلاسة جرياً على عادتها دون أي منغصات.

لكن في لبنان، بلد الولاءات الخارجية، الأمر مختلف. كل تظاهرة لحزب أو فصيل أو شيخ هي حدث استثنائي. فكيف اذا كان هذه المرة صاحب الدعوة شيخ سلفي يدعى أحمد الأسير. وكيف اذا كانت الدعوة لنصرة الثورة السورية ضد ظلم الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه. من يتخيل أن الأمر عادي واهم واهم واهم.

اذ كان يكفي أن يدعو الأسير إلى تظاهرته في العاصمة بيروت لتوضع البلاد على كف عفريت. استنفار امني لا مثيل له. اعادة فصل ساحة الشهداء. استعادة أجواء ٨ و١٤ آذار. تظاهرة وتظاهرة مضادة. الرعب تسرب إلى النفوس. المواطنون عن قصد او غير قصد اختاروا التزام منازلهم. اخلوا الساحات للزاحفين إلى قلب العاصمة نصرةً لدماء السوريين وللذين اختاروا تحديهم بتنظيم تظاهرة مؤيدة للنظام السوري كان الهتاف الأبرز فيها “شبيجة للأبد كرمال عيونك يا أسد”.

الأسيريون والأسديون ظهر فجأة أنهم محدودو العدد. والزحف السلفي الذي كان الشيخ الأسير يدعو إليه تبين أنه حبو لم يبلغ بعد القدرة على التجييش، ما دفع البعض إلى التساؤل حول الأسباب التي أدت إلى توتير البلاد، وخصوصاً أنه كان بالامكان اللجوء إلى التعاطي مع الدعوة تيمناً ببلاد “الواق الواق”.

لكن لا بأس. لا داعي إلى الاستغراب أو التساؤل. فمن نسي عن قصد أو غير قصد أن لبنان، الذي يكثر فيه محبو الحياة، يعيش سكانه في اطار نظام طائفي ومذهبي عقيم كان كل من الشيخ الأسير ومعه الفنان التائب فضل شاكر والأمين القطري لحزب البعث في لبنان فايز شكر، يتولون تذكيره بالمأساة التي يعيش في ظلها منذ سنوات، صامتاً راضياً بقضاء زعماء الطوائف أو في أحسن الأحوال متذمراً ولكن بصمت.

ومن نسي أن في لبنان من يعشق الظهور الاعلامي والاستعراض، كان وزير الداخلية، مروان شربل، كفيلاً بتذكيره. ومن نسي أن في لبنان يتمخض الجبل ليلد فأراً، كان الأسيريون والأسديون كفيلين باعادة تذكيره.