- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

تخمة الفضائيات الإخبارية العربية ودورها

جاد عويدات *
بعث تصريح الرئيس السوري، بشار الأسد، حول دور وسائل الاعلام انطباعاً بأن ما يحدث في سوريا منذ أكثر من 11 شهرا ما هو إلا نتاج لحملة إعلامية مغرضة ومفبركة تهدف للنيل من هذا البلد. لكن الرئيس السوري أكد خلال إدلائه بصوته عزمه على التفوق على هذه “الهجمة التي تتعرض لها سوريا …”، لأن الاعلام بحسب رأيه “رغم أهميته لا يمكن ان يتفوق على الواقع”. ويتابع : “يمكن ان يكونوا أقوى في الفضاء لكننا أقوى على الأرض من الفضاء ومع ذلك نريد أن نربح الأرض والفضاء”.
يخطئ الرئيس السوري لأنه يعترف بأنه الأقوى على الأرض بقوة السلاح وقواته الأمنية وبذلك لن يكسب ود وسائل الاعلام لأنها تقوم بنقل صورة ما يحدث في بعض المدن السورية من دمار وعنف وقتل ولأنه من الطبيعي أن تقف وسائل الضغط الجماهيري بجانب المستضعفين والمدنيين السوريين الذين طالبوا بالحرية والديموقراطية ووجهوا بالكثير من الدموية.
الواقع السوري يدفعنا إذا للتساؤل حول الدور الحقيقي المفترض أن تتبعه وسائل الإعلام مع الأحداث وتعاطيها مع الميدان. هل يكمن هذا الدور في نقل الخبر والإضاءة حول جوانبه وانعكاساته على المجتمعات أم عليه أن يكون صانعاً للحدث ومحركاً لمشاعر المشاهدين وبالتالي محركاً لمجريات الأحداث؟
لو توقفنا عند وسائل الإعلام المحلية اللبنانية سنجدها تحاكي تطلعات الرأي العام السائد -الدوكسا باللاتينية- والتابع للحزب أو الشخصية السياسية التي يملكها. ومن الطبيعي أن يكون خطابها الإعلامي متمحورا ومركزا على نقل وجهة النظر من دون صنعها ولتتناسب أيضا مع أفكار وتطلعات المشاهد وتصل في بعض الأحيان لدرجة التجييش والبروبغندا.
العالم العربي، وعلى الرغم من امتلاء فضائه الإعلامي بعشرات المحطات الإخبارية، يقدم كثيرون على إنشاء محطاتهم، ما يدفعنا للتصور بأن هذا الفضاء العربي قادر على استيعاب المزيد من القنوات التلفزيونية كسكاي نيوز العربية والميادين لغسان بن جدو وغيرها.
العالم العربي، الذي شهد تطورات في العام 2011 وما زالت نتائجها تتوالى، يعيش تحت وطأة الأخبار المتتالية والمتسارعة على مدار الساعة، من تونس إلى مصر إلى اليمن وصولاً إلى سوريا. لا شك بأن هذا الأمر هو دليل عافية في ظل وجود إعلام حكومي يرفض الاعتراف بالآخر وينعته بأقسى العبارات والتوصيفات مثلما تم توصيف الحراك الشعبي السوري في سوريا بالحركات الإرهابية والعصابات المسلحة.
عندما منعت سوريا وغيرها من الدول الربيع العربي دخول الصحافيين تعاظم شأن الإعلام الحديث وانتشرت الكثير من الفيديوهات على شبكة الإنترنت لنقل ما يحدث في الميدان، ما بات يعرف بصحافة المواطن هو ظاهرة ايجابية استطاعت أن تكسر العزلة والحصار المفروض على الصحافة التقليدية، ولكن هذا التحول في مصادر الأخبار خلق نوعاً من الشبهات حول صحة الأخبار ومصداقيتها. لا بد من الإشارة إلى تأثير تكاثر الفضائيات الإخبارية، فالتسابق على السبق الصحافي أفقدها الكثير من الضوابط والحدود. فالمنافسة الإعلامية بين كافة القنوات الإخبارية في ظل فضاء إعلامي متخم أدى إلى فقدان النقد الذاتي والبناء بسبب متطلبات سرعة بث الخبر أحياناً دون مساءلة أو تصويب. كما أصبح التكرار والإستفاضة من سمة العمل التلفزيوني من دون تقديم المزيد من المعلومات. أيضا تحولت هذه الفضائيات إلى منبر إعلامي لطرف دون آخر. بالنسبة لهذا الأمر لا يمكن الإلقاء باللائمة على أي من هذه الفضائيات لأسباب نعرفها جيدا.
يحق للإعلام العربي أن يقف مع الشعب السوري في ثورته من أجل الحرية والديموقراطية، ولكن عليه واجب طرح الأسئلة والتعمق في قراءة الأحداث والوقائع الميدانية بعيدا عن السطحية أو العواطف الجياشة.
الاعلام جزء من إستراتيجيات الدول التي تسعى للهيمنة على صناعة القرار، في هذا السياق تصبح الفضائيات العربية خاضعة للقرار السياسي للدول المعنية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من هنا ضرورة وعي الصحافيين والتنبه لطريقتهم في العمل.
فطرح التساؤلات والاستفسار والتجرد، يمكن أن يبعد شبح الحرب الأهلية والطائفية والفوضى عن العالم العربي، وهو يخدم المهنية والأمانة الصحافية من دون أن يكون دعماً لطرف دون آخر.

دكتور في الإعلام والإتصال